بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
طغت مشكلة الخجل والرهاب الاجتماعي على كلّ المشاكل؛ فتجدها في الغني والفقير وعند الرجال والنساء والمتعلمين وغير المتعلمين والرئيس والمرؤوس والحاكم والمحكوم، وهي ظاهرة ـ إن لم تعالج ـ تورث همّاً وألماً وبؤساً وسقماً، وتكدر حياة صاحبها وتنكد عيشه، ويسيطر عليه كثرة الغضب والتوتر وشعور بالضيق الشديد عند الحديث بين الناس والجموع، وتجد أنه يفضل الإنطواء واعتزال الناس، ولربما صاحبها شيء من التعرق وتعب الأعصاب وصداع؛ ولربما دمّرت مستقبلاً وحطمت ناجحاً، والله المستعان.
وإليكم بعض الحلول جمعتها من ثنايا الكتب
ومن خلال الدورات وتجاربي الشخصية.
اعلم أن الوحدة والإنزواء؛ لن تحل مشكلة؛ بل ستزيدك خجلاً وخوفاً أكثر مما أنت فيه، فالاحتكاك بالآخرين وخوض غمار المعمعة هو الحلّ الأمثل للقضاء على هذه المعضلة.
فالإنسان إذا أراد أن يتعلم السباحة؛ تجده يخشى البلل في البداية، ثم مع مخالطة البحار والأنهار وبرك السباحة ، وتجرع غصص التمارين وابتلاع قطرات ماء، وضيق التنفس والشعور بالغرق، بعد هذه المعاناة نجد النجاح ثمرة ذلك.
لا تضع اللوم على الآخرين وتستسلم لهذا العذر؛ فالناس غير مسؤولين عن مشكلتك بل بيدك أنت الحل.
غيّر حياتك .. جدد أصدقاء ... نوع نشاطاتك .. ساهم في أعمال الخير، يطمئن قلبك وينشرح صدرك، وتحل مشكلتك؛ فالماءُ إذا حُبس ولم يجرِ أصبح كريهاً الرائحة والطعم، وإذا جرى طاب وبث الحياة.
لا تفكر بطريقة سلبية تشاؤمية عن نفسك ، تخلص من عقدة أنا خجول.. أنا كثيراً ما انحرج، لستُ واثقاً من نفسي؛ هذا سيزيد الأمر سوء.
تقبل النصيحة والنقد، واحمله الكلام والمتكلم على خير محمل، ولا تقل إنه تكلم ليحرجني؛ بل كن إيجابياً وقل: تكلم لكي أرتقي وانال الكمال.
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يسلموا من سخرية الناس والاستهزاء بهم، ونحن لسنا أنبياء، فقل كلمتك وتوكل على الله ، ولا عليك من نبح الكلاب.
ألستَ إنسان وخلقك الله في أحسن تقويم ، والناسُ كلّهم كذلك؛ فعلام الخوف والخجل.
قصة وعبرة
يذكر أحدهم قصته مع أوّل خطبة جمعة أمام الناس؛ وهو ليس خريج شريعة ولا إمام، ولم يتدرب في حياته على الخطابة، وهو صاحب شخصية ضعيفة يقول:
قال صديقي: الجمعة ليست القادمة التي بعدها عليك خطبة الجمعة!!!!!!!!!!!!!!
أنا عندي معلومات دينية ومتعلم ، ولكن أقف أمام الناس وأخطب، وفيهم الطبيب والمهندس والعالم ومن دونه؟!!!!!!!!!!!!
وعشتُ أسبوعين الله أعلم بهما
في الحقيقة كان عندي رغبة ، ولكن الخوف أكبر؛ لكن الرغبة ساقتني إلى معالي الأمور.
· · أكثرتُ من دعاء الله بالتوفيق والسداد.
· · كتبت الخطبة حرفياً ؛ حتى المقدمة المشهورة: (إن الحمد لله...) . وتدربت عليها جيداً وألقيتها على مسامع زوجتي مرات ومرات.
· · قرأت قصائد الشجاعة لعنترة وغيره.
· · تذكرتُ أصدقائي الذين يَعتلون المنابر وهم أصغرُ مني سناً، لماذا هم يستطيعون وأنا لا استطيع.
· · قلتُ لنفسي : أليس البشر كلهم يخطئون، والفشل طريق النجاح فلماذا الخوف.
· · وفي اليوم الموعود قلتُ لصاحبي وانا ارتجف والخوف يخيم على نفسي: اجلس بجوار المنبر فإذا سقطتُ مغشياً عليّ، قم واخطب بالناس وصلي.
· · ولما صعدتُ المنبر وما أدراكم ما المنبر ثم ما أدراكم ما المنبر.. جموع غفيرة، والآذانٌ صاغية والعيون مفتحة تنظر إليّ محدقة البصر...
· · لما صعدتُ المنبر ، وما أن قلتُ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ؛ والله وكأنه لا يوجد أحد أمامي، وكأنني أخطب من سنين وسنين وانطلقتُ أتكلم وأتكلم حتى انتهيتُ والحمد لله.
· · عندها أدركتُ أن هذا الخوف وهمٌ زائل يحتاج إلى مغامرة وتدريب.
ما نستفيده من القصة
حضر وفكر جيداً فيما تريد قوله، ولا بأس بالكتابة الحرفية أو رؤس أقلام.
اقرأ سير الشجعان والأبطال والخطباء والناجحين.
الفشل ليس نهاية التاريخ.
الكل يخطئ حتى كبار المتحدثين.
الكمال لله.
إن كنت صاحب رسالة ودعوة؛ فالجنة تستحق منا كل شيء.
الدورات المتخصصة في هذا الباب له دورٌ لا ينكر.
ختاماً
إذا كنت خجولاً ولم تكن متحدثاً لبقاً وتتلعثم بكلماتك؛ فكن مستمعاً جيداً وذكياً. فإن المستمع الذكي له رهبة ومنزلة بين الناس كالمتكلم المفوه.
فالهدوء وكثرة الصمت؛ بابٌ من أبواب محبة الناس، وفنٌ من فنون العلاقات بين الخلق؛ فلا تتوتر ولا تضطرب لشخصيتك الصموته الهادئة.
واعلم أنّ ما أصابك من هم ولا غمّ إلا أجرت عليه..