مدخل ...
جاءت دراستنا للطلاق كمساهمة أولية في مجال دراساتنا وأبحاثنا المتخصص بقضايا المرأة ومشاكلها الاجتماعية بصفتهِ أحد الجوانب المهمة في هذا القسم، حيث تعطي مؤشرات ملموسة لبعض القضايا المتعلقة بالطلاق والتي لابد من دراستها وتحليلها حتى لا تكون تلك المؤشرات تعميمة .. خاصة ان الأبحاث الميدانية المتعلقة بهذا الجانب تحديداً وبالمشاكل الاجتماعية النسوية عامة، نادرة جدا .. فكان هذا اعتبارنا الأول، إلى جانب ما يتوارد الينا من وجود هذه المشكلة في عدة تجمعات سكانية في بلادنا، وهناك اعتبار آخر مهم هو نظرة المجتمع للطلاق كظاهرة هامة تعاني منها كافة المجتمعات، لما يترتب عليها من آثار سلبية ومخاطر حقيقية تؤثر على المرأة والأسرة وتغرق المجتمع بأكمله في مشاكل عديدة تهدد مسيرته وتعيق من تقدمه وتطوره على كافة الأصعدة .. كون العلاقة الزوجية والأسرية الخالية من المشاكل، تترك آثار ايجابية على المجتمع والاسرة مما يساهم في نمو العلاقات الاجتماعية والاسرية بشكل أفضل ويفسح المجال لإبداع الأفراد والجماعات في جوانب الحياة المختلفة.
ونهدفُ هنا الى معرفة خلفيات الطلاق وأسبابها وما يترتب عليها، وكيفية التعامل معها من وجهة نظر شرعية وإنسانية من جهة و بالنظر إلى العادات والتقاليد والنظم الاجتماعية، من جهة أخرى ولنقفَ على التغيرات الإجتماعية الخطيرة إزاء هذه المشكلة.
الطلاق كمشكلة إجتماعية
تعريف الزواج - أولاً - : الزواج في الاسلام عقد ديني صرف تترتب عليه حقوق وواجبات، وله أهمية كبرى في رفاهية الانسان لما يحويه من نقاء وصفاء، وبالرغم من صفة القداسة لعقد الزواج فقد رأى الشرع الاسلامي - في ظروف استنائية - ضرورة ترك الباب مفتوحاً لفصم عرى الزواج فأباحَ الطلاق واعتبره ضرورة اجتماعية فكانَ أبغض الحلال إلى الله ..
ووضعت شروط وقيود يجب على الطرفين الالتزام بها حيث أن الطلاق ليس من الظواهر الاجتماعية المحبذة في الدين الاسلامي، ولكنهُ يبقى رحمة - في بعض الحالات - وهذا من كمال الإسلام ..
إذ أنه ممنوع عند بعض الكنائس المسيحية كالطائفة الكاثوليكية تحت طائلة الحرمان من عضوية الكنسية حيث "ان ما يجمعه الله لا يفرقه الناس" - على حد وصفهم - ولكن في بعض الأحيان يسمح بالطلاق - فقط - في حالة الخيانة الزوجية عند بعض المذاهب المسيحية الأخرى ..
ويبقى الطلاق ــ وان كانت هناك معارضة اجتماعية ودينية له ـ هو إنعكاس لحقيقية العلاقات الزوجية التي لا يمكن ان يكتب لها الوفاق، أي ان الطلاق وان كان في بعض الأحيان يأتِ بصورةٍ استعلائيةٍ على المرأة وظالمةٍ لها أو ورقةِ ضغط يستخدمها الرجل - وهو في هذه الحالة يقعُ تحتَ وصفٍ منافٍ للإنسانية مخالفٍ للدين والأخلاق -
لكن الطلاقَ يبقى المخرج الوحيد لزواج فشل وتحطم، وعلاقة فقدت الأمل في الاستمرار والتوفيق .. أي أنه يجب النظر الى الطلاق على أنه ظاهرة اجتماعية مرافقة للزواج والاسرة في بعض الاحيان.
صحيح أن الزواج وجد بين الزوجين على أساس الاستمرار في الحياة بينهما، فاستمرارية العلاقة الزوجية هيَ الأفضل لطبيعة الانسان والأوفق لحياة العائلة والأولى بأفراد الاسرة، فالعلاقة الودية بين الزوجين من جهة وتدبير أمور حياتهما ومحبة الأقارب لهما، كان هذا يساعد على أن يكون الزواج عقداً مستمراً .. وفي المقابل فإنهُ من الاستعباد بقاء المرأة تحت سلطة رجل كرهته .. وكذلك إشتراط المرأة على الرجل على ان لاتنفصل عنه ولو وصلت الأمور بينهما الى حد الكراهية فهذا الأمر لا يجوز أبداً .. فالطلاق يصبح في بعض الاحيان ضرورة اجتماعية ولكن ينبغي ان يوضع تحت شروط وقواعد حيث لا يكون لمجرد العاطفة أثراً فيه، بل يستلزمُ حتمية أن لا يقع الطلاق إلا امام القاضي أولاً، لينظر هل فيه إكراه وضرر وثانياً ليكون هناك وقت بين الطلب ووقوعه ليتمكن فيه الزوجان من التروي والتفكير - خاصة في هذا العصر الذي يضغط بتسارعهِ على أعصابنا - وهذا يعني عدم وقوع الطلاق بين الزوجين الا في حالة تعذر العيش واستحالته بينهما، نتيجة لوجود مشاكل مستعصية ولا يوجد وسيلة لحلها إلا الانفصال، ولان العلاقة الزوجية إذا استحالت تحولت حياة الأسرة الى جحيم لا يطاق وينعكس هذا على الزوجة والأطفال وما يتبع ذلك من تشتت للعائلة وتشرد وضياع الأسرة، "فالطلاق" من أخطر المشاكل الاجتماعية إذاً ولابدَ أن نتنبهَ له .. وهو ليس سهلا على المرأة نهائياً وقد يؤدي الى حرمانها من أطفالها وحقها في العيش بحرية في ظل أسرة سعيدة وكذلك قد تؤدي الى انحلال الاسر وتفككها - وبنظرة عامة - إلى انحلال المجتمع بأسره.
ولقد أباحَ الإسلام كما أباحت كلُ الأديان السماوية من قبل وتبيحُ جميع الأمم المتحضرة للمرأة طلب الطلاق إذا ساءت معاملة زوجها لها واستحالت الحياة بينهما وكرهته، لذلك جاءت ضرورة الطلاق بينهما ولكن استخدام هذه الضرورة لمجرد الاساءة للرجل او المرأة لا يعتبرعملا صحياً نفسياً واجتماعياً حيث فيهِ هدر الإنسانية، والمرأة المطلقة ينظرُ إليها بدونيةٍ وجهالة وبما انه نادراً ما ترفض المرأة الزواج، بل تسعى إليه، لأنه الشكل الوحيد والشرعي والقانوني والأخلاقي الذي يمكن من خلاله ان تعيش وتحتمي - فالمرأة غير المتزوجة متهمة دائماً- وتصل إلى الرضى عن نفسها اقتصادياً وروحياً وجنسياً وعاطفياً، بالأضافة الى أن الزواج إكتسب نوعاً من الحماية الاجتماعية والدينية .
اذن الطلاق والزواج قضيتان ضروريتان إجتماعياً، يتصلان ببعضهما إتصالاً وثيقاً، لتقفزَ إلى مقدمة الأولوياتِ ضرورة كشف النقاب عنهما حتى نتمكن من التعرف على المشاكل الاجتماعية الناجمة عنهما. وتبعاً لذلك يحق للمرأة ان تطالب بالطلاق اذا كانت ترى في ذلك خلاصها من مشاكلها الزوجية، بينما لا يزال هذا الحق المشروع لها معطلاً بما يقيدها ، فلا تستطيع الحصول علية الا بموافقة الزوج، وفي أحيان كثيرة يأتِ التجبر واذلال الزوجة واستمرار الزوج في العناد والتمرد والقهر والاعتداء على إنسانيتها وحقوقها، ويستطيع كذلك التحايل على الشرعية القنونية باساليب متعددة، منها مثلاً ادعاء نشوزها وحرمانه من حقوقه لاضطهاد المرأة واذلالها .. فالطلاق من الممكن ان يصبح مشكلة اجتماعية تعاني منها المرأة - كما سبقَ الإيضاح - بالدرجة الأولى وما لا شك فيه ان مشاكل المرأة متعددة ومختلفة وتختلف باختلاف طبقتها الاجتماعية، فالمرأة غالباً لا يحق لها ان تتخذ قرار الزواج لوحدها، بل يتم بناء على رغبة العائلة وكذلك الطلاق فهناك مشاكل تواجهها المرأة عند تعرضها للطلاق وتتعرضُ للإجحاف في حقوقها المنصوص عليها شرعاً - فلا يتم تطبيقها - وهنا أصلُ المشكلة .
منـــــــــقول للفائدة