مدرسة العلاقات الإنسانية
ظهرت مدرسة العلاقات الإنسانية (Human relations school) "1930م-1970م" كرد فعل للنظريات الكلاسيكية الثلاث, وهي البيروقراطية والإدارة العلمية والتقسيم الإداري, والتي افترضت أن الحوافز المادية هي ما يهم العاملين وبالتالي إهمالها العوامل الاجتماعية والإنسانية, وهذا النوع من الفكر الإداري -التقليدي – ساد خلال مرحلة من مراحل تطور علاقات العمل, كان يسيطر عليها الفكر التنظيمي العلمي الذي يهتم بترشيد الأساليب والطرق والهيكل التنظيمي أكثر مما يهتم بالعنصر البشري.
والعلاقات الإنسانية هي ذلك النوع من علاقات العمل الذي يهتم بالجوانب الإنسانية والاجتماعية في المنظمة. وهي بذلك تستهدف الوصول بالعاملين إلى أفضل إنتاج في ظل أفضل ما يمكن أن يؤثر على الفرد من عوامل نفسية ومعنوية, باعتباره إنساناً وجدانياً وانفعالياً أكثر منه رشيداً ومنطقياً.
ومن الإعتبارات التي ساعدت على ظهور مدرسة العلاقات الإنسانية:
1- ظهور الحركة النقابية وتزايد قوتها مما أدى إلى ظهور مشكلات جديدة في العمل, ومن ثم رأي الإداريون أن قوة الحركة النقابية كانت نتيجة لفشلهم في توفير مناخ مناسب من العلاقات الإنسانية وحاولوا العمل على تصحيح هذا الوضع.
2- زيادة ثقافة العمال مما جعلهم يدركون مشكلات العمل, ويطالبون بقيادة إدارية أفضل, ويستجيبون للطرق المستخدمة في العلاقات الإنسانية مثل المشاركة في إتخاذ القرارات.
3- كبر حجم المشروعات أدى إلى ظهور مشكلات إنسانية جديدة, إذ أصبح من العسير على الإداري الاتصال الشخصي بمعظم العاملين, مما أدى إلى ظهور الاتصالات والتنظيمات غير الرسمية.
4- ارتفاع مستوى المعيشة في المجتمع الحديث, مما أفسح المجال أمام الإدارة للتركيز على العوامل الإنسانية, خاصة وأنه قد تم إشباع الحاجات المادية الأساسية.
5- زيادة تكاليف عنصر العمل, مما جعل الإدارة تبذل جهدها للاستفادة القصوى من هذا العنصر, وكان ذلك هو الأساس الذي انطلق منه فريق البحث في تجارب هوثورن.
تجارب هوثورن ( 1924م – 1932م)
تعتبر محاولة إلتون مايو ( Elton Mayo) وأعوانه في التجارب المعروفة بإسم تجارب هوثورن والتي أجريت في شركة وسترن إليكتريك (Western Electric) بمصنع (Howthorne) بمدينة شيكاغو أولى المحاولات المكثفة لدراسة أثر العوامل المادية للعمل على الكفاية الإنتاجية للعاملين.
وقد بدأت هذه التجارب بمحاولة ترامي إلى اختبار العلاقة بين كثافة الإضاءة والكفاية الإنتاجية للعاملين. وجاءت النتائج غير متوقعة, مؤكدة وجود متغير جديد وهو الروح المعنوية للعمال ودرجة الانسجام والوئام القائمين بين المجموعة العاملة.
ولذا أجريت تجربة أخرى على متغير آخر ترمي إلى اختبار أثر الراحات ومدتها على الكفاية والإنتاجية, فتكررت النتائج غير المتوقعة التي تؤكد تأثر الإنتاجية أساساً بالحالة المعنوية للعمال, فأجريت تجربة ثالثة لإختبار أثر تغيير طريقة دفع الأجور على الكفاية الإنتاجية. وتكررت النتائج غير المتوقعة والتي تؤكد أن الإنتاجية ترتبط إيجابياً بالظروف الاجتماعية والنفسية للعاملين أكثر مما ترتبط بالتغييرات المادية التي تدخل على ظروف وأحوال العمال.
وقد توصلت تجارب هوثورن إلى النتائج التالية :
1- ميل الأفراد العاملين في وحدة إنتاجية واحدة إلى تكوين تنظيمات غير رسمية فيما بينهم.
2- تأثر تصرفات الأفراد داخل التنظيم بالإطار الذي ترسمه لهم الجماعة.
3- أن الحوافز المعنوية تقوم بدور حيوي في تحفيز الأفراد للعمل.
4- إن طاقة الفرد للعمل لا تتحدد طبقاً لطاقته الفسيولوجية وإنما أيضاً طبقاً لطاقته الاجتماعية من حيث شعوره بالرضا والتفاهم القائم بينه وبين رؤسائه من ناحية, ودرجة التعاون مع زملائه في العمل من ناحية أخرى.
5- دور القيادة غير الرسمية في التأثير على سلوك الأفراد داخل التنظيم من حيث تكوين الجماعات ونمط العلاقات بينهم.
وباختصار, فإن أبحاث وسترن إليكتريك تعد في الواقع بمثابة عودة التفكير السليم إلى علاقات العمل, ويرجع ذلك للأسباب التالية:
1- إن هذه التجارب قد أثرت الفكر الإداري بعدد من الفروض والآراء والأفكار التي أسهمت في دراسة وتفهم المواقف الإنسانية والسلوكية في محيط الأعمال.
2- أن هذه التجارب قد مهدت السبيل لظهور منهج جديد في التفكير, وهو المنهج السلوكي الذي يمكن من خلاله اكتشاف المشكلات الإنسانية المعقدة والتعرف على أساليب علاجها.
3- أن هذه التجارب قد ساعدت في إلقاء الضوء على المتطلبات الأساسية الواجب توافرها لخلق التعاون الفعال بين الإدارة والعمال, فالعمال ليسوا أفراداً منعزلين بعضهم عن بعض الآخر ولا يمكن النظر إليهم كوحدات متفرقة, فهم يشكلون جماعة واحدة, وبتعاونهم وتضافرهم وحماسهم في عملهم يتحقق الهدف الذي يسعى إليه التنظيم.
ومن هذا المنطلق, يتضح أن دراسة إلتون مايو تعتبر أول دراسة تعنى بالسلوك الإنساني في التنظيم, كما تعتبر في الوقت نفسه أولى المحاولات العلمية الجادة والعملية لتفسير أثر السلوك الجماعي على محيط العمل, وضرورة مراعاة الإدارة للعنصر البشري ليس فقط من النواحي المادية, وإنما أيضاً من النواحي النفسية والاجتماعية, فقد أسهمت هذه التجارب في نشر الاهتمام بالعلاقات الإنسانية في مجال العمل, مما أدى إلى كثير من أنواع التغيير في الممارسة الإدارية خلال الثلاثينات من هذا القرن, ومن الآثار العلمية نذكر ما يلي :
1- ظهرت لأول مرة إدارة مهمة في المشروعات تسمى " إدارة الأفراد والعلاقات الإنسانية" تتولى الاهتمام بحسن استخدام الموارد البشرية المتاحة والعمل على رفاهيتها وحل مشكلات العاملين, بل وصل الأمر إلى حد وجود أقسام للتحليل النفسي داخل هذه الإدارات.
2- بدأت الإدارة العامة والخاصة تعترف بحق العاملين في الحصول على إجازات سنوية وبدأت ساعات العمل الأسبوعية تنخفض تدريجياً حتى وصلت الآن إلى أربعين ساعة أسبوعياً في معظم دول العالم.
3- بدأ الاعتراف بحقوق العمال في الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية فتقررت وجبات العاملين "خاصة في المصانع والمناجم" وساعة للراحة وتقرر علاج العاملين مجاناً ورعايتهم صحياً والتأمين عليهم ..
4- بدأ تدريب الرؤساء والمشرفين على مراعاة أصول العلاقات الإنسانية والمعاملة الحسنة للعاملين معهم حتى ترتفع روحهم المعنوية وتزيد قابليتهم للتعاون.
يتضح مما سبق أن حركة العلاقات الإنسانية قد ملأت الكثير من الفجوات في المعرفة الإدارية, ورغم ذلك لم تسهم بالقدر الكافي في إيجاد نظرية للإدارة. فقد حذت حذو نظرية الإدارة العلمية في تركيز الجهود على المستويات التشغيلية في التنظيم أكثر من المستويات الوسطى أو العليا. وهو ما أدى إلى بعض المآخذ الخطيرة على أسلوب مدرسة العلاقات الإنسانية, والنتائج التي انتهت إليها, ومنها :
1- أن هذه المدرسة لم تقدم نظرية كاملة ولا شاملة لتفسير ظاهرة التنظيم والسلوم التنظيمي بل إنها ركزت اهتمامها على دراسة جانب واحد من جوانب التنظيم المتعددة وهو العنصر البشري, فالتنظيم عبارة عن وحدة اجتماعية مركبة يتفاعل فيها جماعات العمل الاجتماعية, وقد صورت مدرسة العلاقات الإنسانية تلك الجماعات الاجتماعية على أنها متماثلة ومتحدة الهدف والغاية. ولكن الواقع يشير إلى أنه حيث توجد بعض المصالح المشتركة بين جماعات العمل الاجتماعية من الناحية الاقتصادية مثلاً, فإن هناك أيضاً مصادر للاختلاف والتناقض بينها. ومن الجائز أن تتعاون تلك الجماعات في بعض مجالات العمل, إلا أنه من المستبعد تماماً أن تنصهر جميعاً وتصبح أسرة واحدة سعيدة كما يتخيل أنصار حركة العلاقات الإنسانية.
2- أن هذه المدرسة تفترض وجود تناقض واضح بين مصالح مجموعتين من أعضاء التنظيم وهما مجموعة العمال ومجموعة الإداريين, بينما تقتضي تحقيق أهداف التنظيم التكامل بين هاتين المجموعتين.
3- أن تركيز نظريات العلاقات الإنسانية على أن إنشاء جماعات العمل وإتاحة الفرصة لها للتفاعل يجعل جو العمل أكثر ملائمة للعامل, ولكن ذلك بالقطن لن يقلل من جهد العامل في عمله أو يغير من طبيعة العمل الذي يقوم به, فتلك أمور موضوعية لن تتأثر بالجوانب الاجتماعية للعمل. بل إن التجارب أثبتت أن جماعة العمل الأكثر سعادة ليس بالضرورة أكثر إنتاجية.
4- أن حركة العلاقات الإنسانية بتركيزها على جماعات العمل باعتبارها عائلة سعيدة وبأن المصنع أو مكان العمل هو مصدر الرضا الأساسي للعامل إنما تتغافل عن واقع التفاعل الاجتماعي للأفراد والجماعات وما يحتويه من تصارع وتنافس ومحاولة للسيطرة والتسلط, وبالتالي فإنها تعطي تصويراً خاطئاً للتنظيمات الفعلية. وأكثر من هذا أن الصراع الإنساني في تنظيمات العمل قد يعتبر مصدراً للتجديد والابتكار والإبداع حيث يحاول كل عضو أن يتميز على الآخرين, كما أن الصراع بين الإدارة والنقابات كان عاملاً حاسماً في سبيل التطوير الفني والإنتاجي كما كان عاملاً أساسياً في تحسين أحوال العمال. وبذلك فإن الصراع الذي تعتبره مدرسة العلاقات الإنسانية أمراً غير مقبول قد يمثل في الواقع متغيراً أساسياً من المتغيرات المحددة لكفاءة ونجاح العمل التنظيمي.
5- أن حركة العلاقات الإنسانية في تركيزها على دراسة التنظيم غير الرسمي تغفل أهمية التنظيم الرسمي ولا توضح أثره في تشكيل سلوك أعضاء التنظيم.
6- أن حركة العلاقات الإنسانية إذ تركز على الحوافز والمكافآت غير المادية إنما تتجاهل أثر الحوافز المادية وهي بذلك تفقد عنصراً مهماً من عناصر تفسير السلوك الإنساني في تنظيمات العمل.
ومما هو جدير بالذكر أن دراسة إلتون مايو قد فتحت الطريق أمام العلماء والباحثين الاجتماعيين والسلوكيين والإداريين إلى مزيد من الدراسات العلمية التجريبية لمعرفة آثار الممارسات الإدارية المتخلفة على العنصر البشري.
ولكن البعض يرى, أن مدرسة العلاقات الإنسانية جاءت كرد فعل للمدرسة الكلاسيكية في الإدارة والتي ركزت فقط على الإنتاجية, وأغفلت العامل الإنساني, فهي إذن نتيجة منطقية لسلبيات نظرية البيروقراطية والإدارة العلمية وهي أيضاً نمو طبيعي في الفكر الإداري لا يكتمل إلا به. فبينما تركز النظرية البيروقراطية ونظريات التقسيم الإداري على الجانب الهيكلي, وتركز المدرسة العلمية على الجانب الإجرائي, فإن مدرسة العلاقات الإنسانية تركز على جانب مهم ومكمل للجوانب الأخرى وهو الإنسان, وبذلك تعتبر هذه المدرسة إضافة جديدة وليست بديلاً للمدارس التي سبقتها