كان بمقدور زهرة "التوليب اللبنانية" البرية أن تكون مصدر ثروة للبنان لو حظيت بالإهتمام والعناية، علماً أنها زهرة برِّية غير مدجّنة واكثر جمالاً من "التوليب" المهجّن الوافد الينا من أوروبا. فهي تمثل بعضاً من مكوّنات بيئة لبنان وغطائه النباتي، ولا تزال متجذِّرة في تربته منذ آلاف الأعوام، فيما جعلتها بعض الدول الاوروبية رمزاً لها، وأهمها هولندا التي تنتج سنوياً نحو بليون زهرة، رغم أنها غريبة عن بيئتها لكنها عرفت كيف تسوّقها بعد تهجينها وإخضاعها لتجارب مخبرية، مما مكنها تالياً من الحصول على أنواع قابلة للتسويق والمنافسة في سوق الازهار العالمية. أما في لبنان، فتحوّلت "التوليب" زهرة نادرة ومدرجة في قائمة النباتات والازهار المعرضة للإنقراض!
ثمّة كثيرون لا يعلمون أن بعض أنواع "التوليب" موطنها لبنان، تماماً كما هي الحال بالنسبة الى تركيا التي تعتبر موئل زهرة "التوليب" قبل أن تنتقل منها إلى أوروبا قبل 400 سنة، حتى أن كلمة "توليب" مأخوذة من كلمة "تولبنت"، وهي تشير الى عمامة السلطان العثماني التي تشبه زهرة التوليب شكلاً.
إعادة الاعتبار الى التوليب
في هذا السياق، تأتي أهمية الدراسات الأوليّة التي قامت وتقوم بها بعض الجمعيات البيئيّة وفي مقدمها "جمعية اليد الخضراء" في مدينة عاليه، والتي تستند فيها الى دراسات وموسوعات علميّة لمعرفة أنواع التوليب الموجودة في لبنان كمبادرة لإعادة الاعتبار لتلك الزهرة، وأيضاً من خلال "مركز النباتات الحيوي في لبنان "Botanical Garden الذي انشأتها للحفاظ على التنوّع النباتي، وهي قامت برصد المواقع التي تحتضن أزهار "التوليب" وتصنيفها، والحصول على بصيلات تمّ غرسها أخيراً في مشتل الجمعية.
ويشير رئيس الجمعية زاهر رضوان لـ "النهار" إلى "أنّ ثمّة ثلاثة أنواع معروفة حتى الآن: TulipaLownei Baker، هذا النوع لونه ابيض وزهرته مؤلفة من 6 وريقات موشّحة باللون البنفسجي، وهي موجودة في عرسال حيث قمنا برصدها في العام الماضي، وهي تزهر كما كل أنواع التوليب اللبناني في مطلع أيار، أقل بأسبوع أو أكثر تبعاً لارتفاع المناطق وعامل المناخ، وثمّة نوع آخر موجود على نطاق واسع يعرف بالتوليب اللبناني الجبلي ومعروف علمياً باسم Tulipa Montana وهو موجود في مناطق كثيرة داخل محميّة ارز الشوف وفي منطقة "نبع السكر" في الضنية، وهو ينبت على ارتفاعات عالية تبدأ من 1300 متر وما فوق، وأوراق الزهرة خضراء تكون مجعّدة قليلاً. والنوع الثالث هو الـTulipaAgenensis، موجود في القمّوعة ويشبه التوليب الأحمر الجبلي، لكن ازهاره مفتولة، والأوراق الخضراء مستوية، وتضمّ الزهرة ما بين 6 و8 وريقات وفيها 6 "عيون" سوداء و"عين" في الوسط، ولذلك يبدو قعر الزهرة واسع خلافاً لتوليب مونتانا إذ يبدو قعرها اصغر ووريقات ازهارها أصلب".
ولفت رضوان إلى أن "هذه هي الانواع التي اكتشفت حتى الآن وثمّّة من يرجّح وجود أنواع أخرى غير مكتشفة"، مشيراً إلى أن "هذه الانواع جميعها تنتمي علمياً الى عائلة الـ Liliaceae وكل انواع التوليب تنتمي الى هذه العائلة".
رغم الجهود القائمة حيال تدجين "التوليب اللبناني" والتي تسترعي الاهتمام والتقدير، إلاّ أن ثمة من يعتبر أن لا جدوى اقتصادية لهذه الزهرة لأنها برية ولا يتعدى ارتفاعها الـ 10 و 15 سنتيمتراً، أي أنها غير قادرة على منافسة التوليب المستورد. لكن الدراسات والبحوث أثبتت أنه في الامكان تعميم زراعتها كنوع من أزهار الزينة لحمايتها من الانقراض ولإعادة الاعتبار من خلالها الى كل النباتات والازهار العطرية والطبيّة والاستهلاكية في لبنان.