مدرسة الحج
وقفات مع حج النبي صلى الله عليه وسلم
وقفات مع حج
أمر الله عباده باتباع نبيه -صلى الله عليه وسلم- في غير ما آية من كتابه فقال سبحانه:
{وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}(الحشر 7)،
وجعل اتباع نبيه هو دليل المحبة الأول وشاهدها الأمثل، فقال سبحانه:{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم }( آل عمران 31 )،والحج من أوضح العبادات التي يتجلى فيها اتباع النبي- صلى الله عليه وسلم-والتأسي به ، ولذلك كان لزاماً على كل حاج يريد صحة حجه، وقبول نسكه ، أن يتعرف على هدي النبي- صلى الله عليه وسلم - في الحج ، هذا الهدي الذي لا يقتصر فقط على أحكام النسك ، بل يتجاوزه إلى التأسي به في أحواله مع الله ومع الخلق .
وسنقف وقفات يسيرة أمام بعض الأمور التي تجلت في حجه-صلى الله عليه وسلم-، حتى يترسم الحاج خطاها، ويحرص على الاقتداء بنبيه-صلى الله عليه وسلم- فيها ، قاصدين من ذلك التنبيه والإشارة، لا الحصر والاستقصاء .
فقد تجلى في حجه - صلى الله عليه وسلم - الاعتناء بأمر التوحيد ، وإخلاص العمل لله ، حيث سأل ربه عز وجل أن يجنبه الرياء والسمعة ، قائلاً: (اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة) رواه ابن ماجة ، وحرص على بيان التوحيد وإظهاره في جميع مناسك الحج وشعائره بدءاً من التلبية إلى ركعتي الطواف والصفاء والمروة ، ويوم عرفة ، وغير ذلك .
وكان - صلى الله عليه وسلم - في حجته حاضر القلب ، خاشع الجوارح ، كثير التضرع والمناجاة ، حريصاً على السكينة والوقار، يقول جابر رضي الله عنه:\\\"أفاض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه السكينة \\\" ، وفي يوم عرفة سمع وراءه زجراً شديداً ، وضرباً وصوتاً للإبل ، فأشار بسوطه إلى الناس قائلاً:
(أيها الناس عليكم بالسكينة ، فإن البر ليس بالإيضاع ) يعني الإسراع ، رواه البخاري .
وفي الحج تجلى بوضوح تعلقه - صلى الله عليه وسلم - بالدار الآخرة ، وزهده في عاجل الحياة الدنيا ، فقد حج على رحل رثٍّ ، وقطيفة لا تساوي أربعة دراهم ، كما عند ابن ماجة ، وقال وهو واقف بعرفة : ( لبيك اللهم لبيك ، إنما الخير خير الآخرة ) رواه الحاكم و البيهقي ، قال ابن القيم رحمه الله : \\\" وكان حجه على رحل ، لا في محمل ولا هودج ، ولا عمارية\\\"، وهي أدوات تكون فوق الدابة تسهل على المرء ركوبها ، وكانت راحلته هي زاملته التي يحمل عليها متاعه وزاده ، فلم تكن له ناقة أخرى خاصة بذلك ، ولم يتميز - صلى الله عليه وسلم -في الموسم عن الناس بشيء، حتى إنه لما جاء إلى السقاية فاستسقى قالوا له: نأتيك به من البيت فقال: ( لا حاجة لي فيه ، اسقوني مما يشرب منه الناس ) رواه أحمد .
وفي الحج حرص - صلى الله عليه وسلم - على تعليم الناس أمر دينهم ، وإقامة الحجة والبيان عليهم ، ولم يدع فرصة سانحة لتعليم الناس والقيام بواجب البلاغ إلا انتهزها ، فبين لهم أحكام المناسك ، وأركان الإسلام وقواعده ، ونهاهم عن الشرك ، وانتهاك الحُرمات العظيمة التي جاءت الشرائع بالمحافظة عليها ، من الدماء والأموال والأعراض ، وذلك في مواطن عديدة من حجه .
وفي حجه عليه الصلاة والسلام ظهر تواضعه للناس ، فقد أردف أسامة بن زيد رضي الله عنهما من عرفة إلى مزدلفة وهو من الموالي ، ووقف لامرأة من آحاد الناس يستمع إليها ويجيب عن سؤالها ، ولم يتخذ حُجَّاباً يصرفون الناس عنه ، ويمنعونهم من مقابلته ، وكان في إمكان أي أحد الوصول إليه وقضاء حاجته بيسر وسهوله .
ومن المظاهر التي تجلت في حجته - صلى الله عليه وسلم - رحمته بالناس وشفقته عليهم، ومن ذلك إلزامه من لم يسق الهدي من أصحابه - رضي الله عنهم - بأن يحل إحلالاً كاملاً، وذلك رحمة بهم وتيسيراً عليهم ، ومن ذلك جمعه لصلاتي الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، حتى لا يشق على الناس ، وإذنه للضعفاء في الإفاضة من مزدلفة قبل الناس حين يغيب القمر ، تخفيفاً عليهم ووقاية لهم من الزحام ، ومن ذلك أيضاً رفعه الحرج عن الناس في التقديم والتأخير في أعمال يوم النحر ، إلى غير ذلك من مظاهر رحمته - صلى الله عليه وسلم - بأمته .
ومن المظاهر جوده وكرمه وإحسانه إلى الناس ، فقد قرب - صلى الله عليه وسلم - مائة بدنة ، وأمر علياً رضي الله عنه أن يقسمها كلها لحومها وجلودها وجلالها في المساكين .
وفي الحج كذلك تجلى تعظيمه لشعائر الله ، وصبره على الناس على اختلاف طبقاتهم وبلدانهم ولغاتهم ، إلى غير ذلك من المظاهر الكثيرة التي لا يتسع المجال لذكرها .
هذه بعض المظاهر المضيئة والجوانب المشرقة ، في حجه - صلى الله عليه وسلم- ، فحري بالدعاة إلى سبيله ، والمنتسبين إليه ، والسائرين على دربه، أن يتلمسوا هدي نبيهم -صلى الله عليه وسلم- ويترسموا خطاه، فيجتهدوا في متابعته، ويحذروا من مخالفته.
من موقع الشبكة الإسلامية