(1)
أذهب إلى المقهى لأفعل ثلاثة أشياء :
أجلس لوحدي لأتبادل الحديث معي ..
وأشم رائحة القهوة ..
وأشرب الشاي !
(2)
القهوة : رائحة .
الشاي : طعم .. ولون .
لهذا ، يفقد الشاي نصف مذاقه إذا لم أشربه في كأس زجاجي شفاف .
(3)
كم من مشروب اكتشفه واحد من الشعب ليتحوّل بعد ذلك إلى مشروب ملكي .
باستثناء الشاي : اكتشفه ملك ليتحوّل إلى شراب شعبي .
تقول الحكاية :
إن أحد ملوك الصين - وعلى عادة الناس في زمانه - كان يجهّز الماء الساخن ليشربه حين هبّت الريح لتسقط تلك الورقة من إحدى الأشجار في كأسه .. تغيّر لون الماء .. أعجبه اللون .. تذوّق الماء فأعجبه المذاق الجديد .. وكانت : أول رشفة شاي في التاريخ .
ومن القصر الملكي ينتقل الشراب الجديد إلى بقية البيوت ، ومن الصين إلى أنحاء العالم : حمله الهولنديون إلى أوربا ، ومن أوربا - وتحديداً من بريطانيا - عرف العالم إحدى أشهر العلامات التجارية « ليبتون « عبر شاب بريطاني شبه مفلس ينتمي لعائلة فقيرة اسمه « توماس ليبتون « : عمل في عدة مهن صغيرة منها تقديم الشاي في إحدى السفن ، وفي الخامسة عشرة من عمره غادر على متن سفينة تجارية تحمل الأبقار إلى العالم الجديد - أمريكا .. فعل هذا مضطراً لأنه لم يكن يمتلك ثمن التذكرة ! عاد بعد خمس سنوات ليفتتح أول محل في مسقط رأسه « غلاسكو « ونجح المحل وصار له أكثر من 300 فرع ، اقتحم سوق الشاي وبدأ ببيعه بأسعار زهيدة للعمال البسطاء والفقراء من الناس ، اشترى في آسيا وأفريقيا أفضل الأراضي الصالحة لزراعته ، وصار يهتم بجودة الشاي الذي يقدمه .. يهتم بشكله وطعمه ، أسس مصانع « شاي ليبتون « لتصبح كلمة ليبتون رديفة لكلمة شاي ولاتذكر إحداهما إلا وتذكر الأخرى معها .. صار الفتى الفقير ملك الشاي في العالم .
هذه حكاية الشاي باختصار :
اكتشفه ملك صيني ، وقام بترويجه وإدخاله إلى كل بيوت الدنيا شاب بريطاني فقير .. ليصبح الشراب الأكثر رواجاً في العالم بعد الماء !
وهناك في آسيا حكاية خرافية تقول :
كان الكاهن يتعبّد في الدير وغالبَه النعاس وكان يصارعه ليستمر في العبادة وفي النهاية لم يجد حلاً ليغلب النوم ويبقى مستقيظاً إلا قص جفنيه !
في المكان الذي رمى فيه جفنيه نمت نبتة الشاي !
(4)
حلاوة القهوة في مرارتها ..
مرارة الشاي في حلاوته الزائدة :
لا تجعل الأشياء التي تضاف إليه تتفوّق على طعمه .
(5)
ما نعتاد عليه .. يتحكم بالذوق والمذاق :
في أحد البلدان - وبعد انقطاع بعض السلع - قررت
الحكومة توزيع ( شيء ) ما.. على أنه ( شاي ) !
بعد سنوات من شربه، وبعد عودة الشاي الحقيقي،
رفض الناس شرب الشاي.. لأنهم أدمنوا شرب الشيء!
(6)
كأس من الشاي الجيّد يجعلك تتذوّق طعم الطبيعة ..
وتشم رائحة الصباح .
(7)
مما كتبته في « وصايا « :
اعتدت أن تشرب الشاي ساخنًا، ولا يمكنك أن تتخيّله إلاّ بهذا الشكل، وهذا الطعم.
واعتاد غيرك أن يشربه مثلّجًا، ولا يمكنه أن يستسيغه إلاّ بهذا الشكل، وهذا الطعم.
في الحياة، الكثير من الأشياء تشبه هذا «الشاي» :
لها نفس المصدر، ونفس الشكل، ونفس الطعم..
ولكننا نشعر باختلافها عندما تختلف درجة حرارتها وبرودتها!
(
قال الشاعر أحمد الصافي النجفي واصفاً الشاي :
لئن كان غيري بالمدامة مولعاً
فقد ولعت نفسي بشاي معطرٍ
إذا صب في كأس الزجاج حسبته
مذاب عقيق صب في كأس جوهرِ
به أحتسي شهداً وراحاً وسكراً
وأنشق منه عبق مسك وعنبرِ
يغيب شعور المرء في أكؤس الطلا
ويصحو بكأس الشاي عقل المفكر
هل لاحظتم ( كأس الزجاج ) .. ولم يقل : إذا صب في كوب ؟..
حتى النجفي يتفق معي أن الشاي : طعم .. ولون ، وأن الشاي الذي لا تراه ليس شاياً !
(9)
إذا كانت القهوة : نظرة ، فابتسامة ...
فالشاي : موعد ، فلقاء !
لا شبيه لطعم القُبلة الأولى إلا : الشاي .. بالنعناع !