قال الإمام أبومحمد ابن حزم الأندلسي في كتابه {الأخلاق والسير }1 :
من حقق النظر وراض نفسه على السكون إلى الحقائق وإن آلمته في أول صدمة كان اغتباطه بذم الناس إياه أشد وأكثر من اغتباطه بمدحهم إياه لأن مدحهم إياه إن كان بحق وبلغه مدحهم له أسرى ذلك فيه الْعُجْب فأفسد بذلك فضائله.
وإن كان بباطل فبلغه فسره فقد صار مسروراً بالكذب وهذا نقص شديد.
وأما ذم الناس إياه ؛ فإن كان بحق فبلغه فربما كان ذلك سبباً إلى تجنبه ما يعاب عليه ، وهذا حظ عظيم لا يزهد فيه إلا ناقص.
وإن كان بباطل وبلغه فصبر ، اكتسب فضلاً زائداً بالحلم والصبر، وكان مع ذلك غانماً ؛ لأنه يأخذ حسنات من ذمه بالباطل، فيحظى بها في دار الجزاء ، أحوج ما يكون إلى النجاة بأعمال لم يتعب فيها ، ولا تكلفها ، وهذا حظ عظيم ،لا يزهد فيه إلا مجنون.
وأما إن لم يبلغه مدح الناس إياه ؛ فكلامهم وسكوتهم سواء وليس كذلك ذمهم إياه ؛ لأنه غانم للأجر على كل حال ،بلغه ذمهم أو لم يبلغه.
ولولا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثناء الحسن:[عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قُلْتُ لَهُ الرَّجُلُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ لِلَّهِ فَيُحِبُّهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ:]ذَلِكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ".(1) لوجب أن يرغب العاقل في الذم بالباطل أكثر من رغبته في المدح بالحق ولكن إذا جاء هذا القول فإنما تكون البشرى بالحق لا بالباطل، فإنما تجب البشرى بما في الممدوح لا بنفس المدح.
ليس بين الفضائل والرذائل ، ولا بين الطاعات والمعاصي إلا نفار النفس وأنسها فقط. فالسعيد من أنست نفسه بالفضائل والطاعات ونفرت من الرذائل والمعاصي ، والشقي من أنست نفسه بالرذائل والمعاصي ونفرت من الفضائل والطاعات ، وليس هاهنا إلا صنع الله تعالى وحفظه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
1- الأخلاق والسير ص (54-55-56)