جاء في تسمية رمضان بهذا الاسم عدة أقوال ذكرها أهل
اللغة وما إلى كل قول جمع من أهل العلم،فمنهم من يقول سمي هذا الشهر رمضان،
لأنه غالباً ما يصادف زمن الرمضاء، وهو الذي يشتد فيه الحر في جزيرة
العرب، فسمي بذلك من الرمض وهو شدة الحر، وقالوا ونظير هذا قولنا: "ابن
داية" للغراب بإضافة الابن إلى داية البعير، وذلك لكثرة وقوعه عليها إذا
دبرت، وهذا الشهر لكثرة وقوعه في الحر سمي رمضان.
وقال ابن دريد لما نقلت أسماء الشهور عن اللغة القديمة، سموها بالأزمنة
التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر شدة الحر، وقيل بل لأن وجوب صومه صادف
شدة الحر، وقيل الصوم فيه عبادة قديمة فكأنهم سموه بذلك لارتماضهم فيه من
حر الجوع ومقاساة شدته، كما سموه (ناتقاً) –ذكر ذلك الماوردي والزمخشري
وغيرهم- لأنه ينتقهم أي يزعجهم بشدته عليهم، والقول بأن رمضان مشتق من
الرمض أي الحر، حكاه كذلك الأصمعي عن أبي عمرو.
ونحواً من هذا قولهم في سبب تسميته: لأن القلوب تأخذ فيه من حرارة الموعظة
والفكرة في أمر الآخرة كما يأخذ الرمل والحجارة من حر الشمس والرمضاء
الحجارة المحماة.
وقيل بل سمى رمضان لأنه يرمض الذنوب، أي يحرقها
بالأعمال الصالحة، وحكى بعضهم حديثاً موضوعاً (إنما سمي رمضان لأنه يرمض
الذنوب) وفيه زياد بن ميمون وقد اعترف بالكذب، ولكن أهل اللغة قالوا:
الرمضان مصدر رمض إذا احترق، من الرمضاء فأضيف إليه الشهر وجعل علما، ومنع
الصرف بالتعريف والألف والنون، وهذا القول حكاه الزمخشري، وهو شبيه
بالأول.
وقال آخرون بل سمى رمضان لأنه يرمض الذنوب، أي يغسلها
بالأعمال الصالحة. وقالوا هو مأخوذ من الرميض، وهو السحاب والمطر في آخر
القيظ وأول الخريف، سمي رميضاً لأنه يدرء سخونة الشمس، وهكذا رمضان يغسل
الأبدان من الآثام، وإلى هذا الاشتقاق مال الخليل بن أحمد
وقيل أيضاً أنه مشتق من رمضت النصل أرمضه رمضاً، إذا
دققته بين حجرين ليرق، فسمي هذا الشهر رمضان لأنهم كانوا يرمضون أسلحتهم
فيه ليقضوا منها أوطارهم في شوال قبل دخول الأشهر الحرم، وهذا القول يحكى
عن الأزهري.
ولعل اشتقاق رمضان من الرمض هو الأشهر والأقرب، فإن
أغلب المعاني تدور عليه ويمكن إرجاعها إليه، إلاّ ما حُكي عن الأزهري،
ولعل فيه بعداً لأنه لامعنى لإرماضهم نصالهم في رمضان فقط والقتال محتدم
قبله وفي أيامه وبعده، والله أعلم.