حرمة المساجد
(437) - (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ*)
(البقرة آية: 114)
بقلم الدكتور/ زغلول النجار
نزلت هذه الآية القرآنية الكريمة في كل من حرم المسلمين من عبادة الله (تعالي) في مسجد من المساجد, والمساجد هي بيوت الله في الأرض, ولذلك قال (سبحانه وتعالي) في الحديث القدسي: إن بيوتي في الأرض المساجد, وزواري فيها عمارها, فمن توضأ في بيته وزارني في بيتي, كان حقا علي المزور أن يكرم زائره
ويذكر ابن عباس(رضي الله عنهما) أن مشركي قريش منعوا النبي (صلي الله عليه وسلم) الصلاة عند الكعبة المشرفة في المسجد الحرام فأنزل الله (تعالي) قوله العزيز: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ...). كذلك قام مشركو قريش بإخراج رسول الله (صلي الله عليه وسلم) وأصحابه الكرام من مكة, وحرموهم من الصلاة في المسجد الحرام, كما استحوذوا علي هذا المسجد, وملئوا ساحته بالأصنام والأوثان, وهو أشرف بقاع الأرض قاطبة.
ويقول (عز من قائل): (وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ المُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) (الأنفال:34).
وعمارة المساجد هي بالصلاة فيها, وتلاوة القرآن, وذكر الله, وإماطة الأذى عنها, ورفع كل أشكال الدنس والشرك, وتعليم أهل المسجد شرع الله وحدوده.
وفي قوله( تعالي): (...وَسَعَى فِي خَرَابِهَا...) وذلك بصد الناس عنها حتى يهجروها فتصبح كالبيت الخرب ولذلك أتبع ذلك بقوله: (...أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ...) وهذا خبر معناه الطلب أو الأمر, بمعني: يا أيها المسلمون لا تمكنوا المشركين إذا كنتم قادرين عليهم من دخول مساجدكم أبدا إلا إذا كانوا مستجيرين بحرمتها, محتمين بحماها. لذلك فإن رسول الله (صلي الله عليه وسلم) بعد فتح مكة أمر مناديا أن ينادي قائلا: "من دخل المسجد الحرام فهو آمن", فلجأ إليه المستأمنون من جبابرة قريش بعد أن كانوا هم الذين يصدون عن بيت الله. كذلك فإن رسول الله (صلي الله عليه وسلم) أمر في العام الهجري الثاني أن ينادي في رحاب مني: "ألا يحجن بعد العام مشرك....".
وفي قوله( تعالي): (...لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ*) أي: أن كل من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه, وسعي في خرابها له هوان وذلة في الدنيا, وله في الآخرة عذاب النار, وهو عذاب مذل مهين, وكذلك الحال بالذين استهانوا بحرمة المساجد في زماننا فطوقوها لمنع المصلين فيها من الخروج, أو تجرئوا عليها بوقاحة شديدة فرجموا المسجد بالحجارة. وعلي هؤلاء أن يبادروا بالتوبة إلي ربهم وإلا ساء مصيرهم.
وفي الآية الكريمة استنكار واستبعاد لأن يكون هناك من هو أظلم ممن منع الناس من عبادة ربهم في بيت من بيوت الله. وإطلاق النص يوحي بأنه حكم عام في منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه, أو السعي في خرابها. كذلك كان الحكم الذي يحكم به الله (تعالي) علي كل من يقترف هذه الجريمة, وهو الدفع والمطاردة والخزي, والحرمان من الأمن في الدنيا, والعذاب المهين في الآخرة. ففضل المساجد كبير, وآداب الالتزام فيها بكل خلق كريم واجبة. وفي ذلك يقول رسول الله (صلي الله عليه وسلم):
- "بشر المشاءين في الظلم إلي المساجد بالنور التام يوم القيامة."
- "إن للمساجد أوتادا, الملائكة جلساؤهم, إن غابوا يفتقدونهم, وإن مرضوا عادوهم, وإن كانوا في حاجة أعانوهم".
- "جليس المسجد علي ثلاث خصال: أخ مستفاد, أو كلمة محكمة, أو رحمة منتظرة".
وما أشبه الليلة بالبارحة, فعلي الرغم من هذه الحرمة التي أقرها الله (تعالي) للمساجد, وللقائمين عليها, وللمصلين فيها, فإننا فوجئنا في يوم الجمعة قبل الماضية 2012/12/14 م (الموافق غرة صفر سنة1434 هـ) بمجموعة من المجرمين المستأجرين من قبل فلول النظام السابق يحاصرون مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية, ويرجمونه بالحجارة, ويمنعون المصلين من مغادرة المسجد عقب صلاة الجمعة ومن بينهم كبار السن من الرجال والنساء وما اصطحبوا معهم من الأطفال, ومعهم إمام المسجد فضيلة الشيخ أحمد المحلاوي الذي قارب الثامنة والثمانين من العمر وهو من المجاهدين المقاومين للحكام الظلمة, وممن أوذوا في سبيل الله في ظل نظم الحكم الشمولية المستبدة الفاسدة التي حكمت مصر لأكثر من ستين عاما. وطال الحصار إلي الثالثة من بعد منتصف الليل.
وهؤلاء الجهلة من البلطجية المرتشين الذين باعوا ضمائرهم بالزهيد من أموال كل من الفلول, وعملاء أعداء الوطن, من كل حدب وصوب, لا يعرفون لبيوت الله حرمة, ولا للعلم والعلماء كرامة ولا يجدون في قلوبهم لكبار السن ولا للأطفال شفقة...!! وقد قاموا بهذه الجريمة التي أدت إلي إصابة العشرات من الشبان وإلي حرق عدد من سيارات المصلين وكادت أن تؤدي إلي مذبحة حقيقية لولا حكمة فضيلة الشيخ أحمد المحلاوي والمصلين من حوله. وقد قام هؤلاء المحاصرون للمسجد بجريمة يتهدد الله (تعالي) كل واقع فيها بالخزي في الدنيا وبالعذاب الشديد في الآخرة. وقد أرادوا فتنة يقتل فيها المسلم أخاه المسلم في مذبحة بالإسكندرية هدفها إلغاء الاستفتاء علي مشروع الدستور الجديد الذي يعد واحدا من أعظم الدساتير في تاريخ مصر, إن لم يكن في تاريخ العالم كله لأنه دستور إسلامي يعطي للدولة وجهها الإسلامي المشرق ويعطي لكل فرد من أفرادها حقوقه وواجباته كاملة غير منقوصة. ولكن هؤلاء العملاء المأجورين من أجل الانقضاض علي شرعية الحكم لا يعرفون لدم المسلم حرمة ولا لوطنهم حقوقا, وكل هدفهم هو إثارة الفوضى في البلاد الغارقة في بحر من الديون والتي تعاني من نسبة عالية في البطالة ومن تخلف في كل منحي من مناحي الحياة التي اغرق البلاد فيها فساد الحكم السابق وزبانيته وفلوله الذين لا يريدون إلا أن يكون الحكم بأيديهم رغم إرادة غالبية الشعب الذي عاني من ظلمهم الكثير.
وعلي الرغم من ذلك كله فإن إرادة الشعب المصري هي الإسلام الذي كان قد تم تغييبه عن سدة الحكم في مصر لقرابة القرنين من الزمان, ولذلك صوت أغلب هذا الشعب المسلم للإسلام في أول انتخابات حرة أجريت في مصر خلال تاريخها الحديث وهو حاكم إن شاء الله.