(النيات في رمضان)
(وكيف تُضَاعِف حسناتك فيه)
M
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..........
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } [سورة آل عمران: 102]
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء: 1]
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }[سورة الأحزاب:70،71]
أما بعد....
فإن أصدق الحديث كتاب الله ـ تعالي ـ وخير الهدي هدي محمد r وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
يقول أبو طالب المكي - رحمه الله - كما في "قوت القلوب" (2/308):
النِيَّة الصالحة هي أول العمل الصالح، وأول العطاء من الله تعالى، وهي مكان الجزاء
وإنما يكون للعبد من ثواب الأعمال على حسب ما يهب الله تعالى له من النِيَّات، فربما اتفق في العمل الواحد نِيَّات كثيرة على مقدار ما يحتمل العبد في النِيَّة، وعلى مقدار علم العامل؛ فيكون له بكل نِيَّة حسنة، ثم يضاعف كل حسنة عشر أمثالها؛ لأنها أعمال تجتمع في عمل.
ويقول الغزالي - رحمه الله - كما في "الإحياء" (4/323):
الطاعات مرتبطة بالنِيَّات في أصل صحتها، وفي تضاعف فضلها، أما تضاعف الفضل فبكثرة النِيَّات الحسنة، فإن الطاعة الواحدة يمكن أن ينوي بها خيرات كثيرة فيكون له بكل نِيَّة ثواب، إذ كل واحدة منها حسنة ثم تضاعف كل حسنة عشر أمثالها. اهـ
ومن خلال هذا الكلام السابق يتبين لنا أن الله Uيعطي الأجر على حسب ما يجمع الإنسان من النِيَّات في العمل، فيعطي الله على كل نِيَّة أجر، ومن هنا يعظم الثواب وتتضاعف الحسنات؛
لذا كان هذا الموضوع (النِيَّات في رمضان، وكيف تتضاعف الحسنات فيه؟) من الأهمية بمكان
وهذا أوان الشروع للكلام عن هذا الموضوع.
أولاً: لماذا أَصُومُ؟ (نِيَّات الصيام)
1ـ أَصُومُ لأن الصوم لا مِثْلَ له:
فقد أخرج الإمام أحمد من حديث أبي أمامة tأنه قال لرسول الله r:
"مُرني بعمل أدخل بهالجنة، فقال النبي r: عليك بالصوم فإنه لا مثل له "
ـ وفي رواية عند النسائي:" عليك بالصوم، فإنه لا عدل له"
2ـ أَصُومُ لأن الصوم من أشرف العبادات:
فقد أضاف الله Uالصوم له، فهذا يدل على تشريفه دون سائر العبادات
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله r:
"قال الله U: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي" (متفق عليه)
قال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ:
كفى بقوله:"الصوم لي" فضلاً للصيام على سائر العبادات. اهـ
3ـ أَصُومُ لأن الصيام رفعة في الدرجـات، والله يعطي على الصيام ما لا يعطي على غيره:
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ:
المراد بقوله:"إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به"،أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته، وأما غيره من العبادات فقد اطَّلعَ عليها بعض الناس.
قال القرطبي ـ رحمه الله ـ:
معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس، وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله، إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير.
كما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي أن الحبيب النبيrقال:
"إن ربكم يقول: كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والصوم لي وأنا أجزي به"
(صحيح الترغيب:968)
وفي رواية لمسلم:"كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدم يُضَاعفُ الْحَسَنَةُعَشْرُ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ U: إلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ"
ولك أن تتخيل إذا قال الله Uالكريم "وأنا أجزي به"فكيف سيكون العطاء؟
4ـ أَصُومُ لأصل إلى مرتبة المُتَّقين، وهي من أفضل المنازل عند رب العالمين:
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُالصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]
قال الشيخ السعدي – رحمه الله – في تفسير هذه الآية:
{ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه. اهـ
والتقوى هي أعلى المراتب التي يصل إليها العبد المؤمن، وهي أصل كل خير، ولهذا جمع الله الأوليين والآخرين، ثم وصاهم بوصية واحدة، فقال تعالى:
{وَلَقَدْوَصَّيْنَاالَّذِينَأُوتُواْالْكِتَابَ مِنقَبْلِكُمْوَإِيَّاكُمْأَنِاتَّقُواْاللّهَ} [النساء: 131]
قال الغزالي ـ رحمه الله ـ:
أليس الله تعالى أعلم بصلاح العبد من كل أحد، أوليس هو أنصح له وأرحم وأرأف من كل أحد، ولو كانت في العالم خصلة هي أصلح للعبد، وأجمع للخير، وأعظم للأجر، وأجل في العبودية، وأولى بالحال، وأنجح في المآل من هذه الخصلة التي هي التقوى؛ لكان الله أمر بها عباده.
فلما وصَّى الله بهذه الخصلة الواحدة وجمع الأوليين والآخرين من عباده في ذلك واقتصر عليها، علمت أنها الغاية التي لا متجاوز عنها، ولا مقصود دونها، وعلمت كذلك أنها الجامعة لخيري الدنيا والآخرة، الكافية لجميع المهمات المبلغة إلى أعلى الدرجات.
ولست أرى السعادة جمع مال
ولكن التقي هو السعيد
فتقوى الله خير الزاد زخـراً
وعند الله للأتقى مزيد
5ـ أَصُومُ لأن الصوم في الصيف جزاؤه الري والسقيا يوم العطش:
فقد أخرج البزار عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ:
"أن رسول الله r بعث أبا موسى على سرية في البحر، فبينما هم كذلك، قد رفعوا الشِّراع في ليلة مظلمة، إذا هاتف فوقهم يهتف يا أهل السفينة! قِفوا أخبركم بقضاء قضاهُ الله على نفسه، فقال أبو موسى: أخبرنا إن كنت مخبراً، قال: إن الله ـ تبارك وتعالى ـ قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له في يوم صائف؛ سقاه الله يوم العطش". ـ الشِّراعُ: بكسر الشين المعجمة، هو قلاع السفينة.
ـ وفي رواية:"إن الله قضى على نفسه أن مَن أعطش نفسه لله في يوم حار، كان حقاً على الله أن يُرويه يوم القيامة " (حسنة الألباني في "صحيح الترغيب":1/412)
فكان أبو موسى يتوخَّى اليوم الشديد الحر الذي يكاد الإنسان ينسلخ فيه حراً فيصومه.
6ـ أَصُومُ لأن الصوم في الشتاء: الغنيمة الباردة:
فقد أخرج الإمام أحمد عن عامر بن مسعود tعن رسول الله r أنه قال:
"الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة"(1)(صحيح الجامع: 3868)
وقال قتادة ـ رحمه الله ـ:
إن الملائكة تفرح بالشتاء للمؤمن، يقصر النهار فيصومه، ويطول الليل فيقومه.
7ـ أَصُومُ لأن للصائم دعوة لا ترد:
أخرج البيهقي في "شعب الإيمان" من حديث أبي هريرة tقال: قال رسول الله r:
"ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر"
(صحيح الجامع:3031)
وأخرج البيهقي أيضاً بسنده عن النبي r قال:
"ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر" (صحيح الجامع:3032)
وأخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة tقال: قال رسول الله r:
"ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يُفطِر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم
فأَعْظِم به من دعاء تنطق به شفاه ذابلة من الصيام، يصعد إلى السماوات فما يرده – بكرمه – الرحمن.
8 ـ أَصُومُ حتى يكون خُلوف فمي أطيب عند الله من ريح المسك:
فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة tعن النبي rقال:
"والذي نفس محمدٍ بيده لخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك".
قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ:
خُلُوف الفم: رائحة ما يتصاعد منه من الأبخرة، لخلو المعدة من الطعام بالصيام، وهي رائحة مستكرهة في مشام الناس في الدنيا، ولكنها عند الله طيبة، حيث إنها ناشئة عن طاعته وابتغاء مرضاته، كما أن دم الشهيد يجئ يوم القيامة يثغب دماً، لونه لون الدم وريحه ريح المسك.
قال ابن جماعة وابن حجر ـ رحمهما الله ـ:
وفيه: أن خُلُوف فم الصائم أفضل من دم الجريح في سبيل الله؛ لأن النبي rقال في الشهيد:
"إن ريحه ريح المسك"، وقال rفي خلوف الصائم:"أطيب من ريح المسك".اهـ
ومعنى طيب ريح خلوف الصائم عند الله U: أن الصيام لما كان سراً بين العبد وبين ربه في الدنيا، أظهره الله في الآخرة علانِيَّة للخلق؛ ليشتهر بذلك أهل الصيام، ويُعْرَفون بصيامهم بين الناس لإخفائهم صيامهم في الدنيا.
وقال أبو حاتم ـ رحمه الله ـ:
شعار المؤمنين في القيامة: التحجيل بوضوئهم في الدنيا، فرقاً بينهم وبين سائر الأمم، وشعارهم في القيامة بصومهم: طيبُ خُلُوفهم أطيب من ريح المسك؛ ليُعْرَفوا من ذلك الجمع بذلك العمل. نسأل الله بركة هذا اليوم.
9ـ أَصُومُ حتى أفرح عند فطري، وأفرح عند لقاء ربي:
فقد أخرج الإمام مسلم والإمام أحمد من حديث أبي هريرة tأن النبي r:
"للصائم فرحتان: فرحه حين يفطر، و فرحة حين يلقى ربه"
وفي رواية:"للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه"
قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ:
·أما فرحة الصائم عند فطره: فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات، ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه، خصوصاً عند اشتداد الحاجة إليه، فإن النفوس تفرح بذلك طبعاً
·وأما فرحه عند لقاء ربه:
فيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخراً، فيجده أحوج ما كان إليه، كما قال تعالى:
{وَمَاتُقَدِّمُوالِأَنفُسِكُممِّنْخَيْرٍتَجِدُوهُ عِندَاللَّهِهُوَخَيْرًاوَأَعْظَمَ أَجرَاً}[المزمل:20]
10ـ أَصُومُ لأن الصوم جُنَّة عن الشهوات:
فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة t أن النبي r قال:
"الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل".
وعند الإمام أحمد من حديث جابرt عن النبي r قال:
"يا كعب بن عُجرة: الصوم جُنّة، والصدقة تطفئ الخطيئة، والصلاة برهان ـ أو قال: قربان ـ يا كعب بن عُجرة، الناس غاديان: فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها".
وعند الإمام أحمد أيضاً من حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما –
عن النبي r قال: "خِصاء أمتي الصيام"
ففي الصوم كسر للشهوة، وقمع للشيطان بسد مسالكه وتضييق مجاريه؛ ولذلك وصفه الرسول r للشباب الذين ليس لهم قدرة على الزواج؛ ليُقوِّم أخلاقهم، ويكسر شهوتهم، ويعدل سلوكهم.
فقد أخرج البخاري من حديث عبد الله بن مسعودtقال: قال لنا رسول اللهr:
"يا معشر الشباب! مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
ـ والوجاء: هو رضُّ عروق الخصية من غير إخراج لها (والرَّضُّ: الدق والكسر) فيكون شبيهاً بالخِصاء.
قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ:
الجنة: الوقاية والستر، وتبيَّن بالروايات متعلق هذا الستر وأنه من النار.
قال عياض ـ رحمه الله ـ:
معناه: ستره من الآثام، أو من النار، أو من جميع ذلك، وبالأخير جزم النووي.
قال الشيخ عمر الأشقر ـ رحمه الله ـ: الصيام جنة ووقاية يقي العبد الذنوب والمعاصي، والبغيض من الكلام، والسيئ من الفعال، وبذلك يتقي العبد النار.
قال المناوي ـ في "فتح القدير":الصوم وقاية في الدنيا من المعاصي بكسر الشهوة. اهـ
لأنه يقمع الهوى، ويردع الشهوات التي هي من أسلحة الشيطان، فإن الشبع مجلبة للآثام، منقصة للإيمـان؛ ولهذا قال النبيr:
"ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه".
فإذا ملأ بطنه انتكست بصيرته، وتشوَّشت فكرته، وغلب عليه الكسل والنعاس؛ فيمنعه عن العبادات، ويشتد غضبه وشهوته فيقع في الحرام
11ـ أَصُومُ لأن الصوم كفارة للخطيئات:
قال تعالى: {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}[الأحزاب: 35]
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة tأن النبي r قال:
" مَن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تّقَدَّم من ذنبه"
وأخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة t عن رسول الله r قال:
"الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتٌ ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".
وأخرج البخاري ومسلم من حديث حذيفة t عن النبي r قال:
"فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره؛ يكفرها الصيام، والصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
وأخرج الإمام مسلم عن أبي قتادة tقال: قال رسول الله r:
"صيام يوم عرفة، إني أحتسب على الله أن يُكَفِّر السنة التي قبله والتي بعده، وصيام يوم عاشوراء، إني احتسب على الله أن يُكَفِّر السنة التي قبله".
ولهذا قال "صاحب العدة":"ولذلك فإن الصيام لا يوجد شيء مثله من العبادات"
12ـ أَصُومُ لأن الصيام جُنَّة من النار:
أخرج الإمام أحمد والنسائي عن عثمان بن أبي العاص t عن النبي r أنه قال:
"الصوم جُنَّة من عذاب الله". (صحيح الجامع: 3867)
وفي رواية:"الصيام جُنَّة من النار كجُنَّة أحدكم من القتال".
وعند أحمد بإسناد حسن عن جابر t قال: قال رسول اللهr:
"الصيام جُنَّة يستجنُّ بها العبد من النار" (صحيح الجامع: 3868)
وعند أحمد بسند حسن عن أبي هريرة tعن النبي r قال:
"الصيام جُنَّة وحصن حصين من النار" (صحيح الجامع: 3880)
وأخرج ابن حبان بسند صحيح عن كعب بن عُجْرةَ t قال: قال رسول الله r:
"يا كعب بن عجرة: الناسُ غاديان: فغادٍ في فكاك نفسه فمعتقها، وغاد فموبقها.
يا كعب بن عُجْرةَ: الصلاةُ قربان، والصوم جُنَّة، والصدقة تطفئُ الخطيئة كما يذهبُ الجليدُ على الصفا".
قال المناوي ـ رحمه الله ـ في "فيض القدير":
وقاية في الدنيا من المعاصي، بكسر الشهوة، وحفظ الجوارح، وفي الآخرة من النار.
وقال أيضاً: الصوم جُنَّة من عذاب الله، فليس للنار عليه سبيل، كما لا سبيل لها على مواضع الوضوء؛ لأن الصوم يغمر البدن كله فهو جُنَّة لجميعه برحمة الله من النار.
ولذلك قال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ: حسبك بهذا فضلاً للصائم.
أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد tعن النبي r أنه قال:
"مَن صام يوماً في سبيل الله بَعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً".
وعند النسائي من حديث عقبة بن عامر t بلفظ:
"مَن صام يوماً في سبيل الله، باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام".
وقال القرطبي ـ رحمه الله ـ: في سبيل الله: طاعة الله، فالمراد: مَن صام قاصداً وجه الله
وقال المناوي ـ رحمه الله ـ: في سبيل الله: أي لله ولوجهه، أو في الغزو، أو الحج.
وأخرج الترمذي من حديث أبي أمامة t أن النبي r قال:
"مَن صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض".
فإذا كان هذا بصيام يوم واحد نفلاً يباعد الله بينه وبين النار خندقاً مسافة خمسمائة عام، فما ظنّك بصيام شهر رمضان وهو الفريضة؟!.
·فمن أراد أن تُعْتَق رقبته من النار فعليه بالصيام
فقد أخرج الإمام أحمد والطبراني بإسناد حسن عن أبي أمامة t عن النبي r قال:
"لله عند كل فطر عتقاء "
ـ وفي رواية أخرى: "إن لله تعالى عند كل فطرٍ عتقاء من النار وذلك في كل ليلة "
(صحيح الجامع:2170)
فأَنْعِم به من شهر تُعْتَق فيه الرقاب من النار، ويُنَال فيه رحمة العزيز الغفَّار
13ـ أَصُومُ حتى يشفع لي الصوم عند الله يوم القيامة:
فقد أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله r قال:"الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: ربي منعته النوم بالليل فشفعني فيه: قال: فيشفعان" (صحيح الترغيب والترهيب:1/411) (صحيح الجامع:3776)
قال الألباني: أي: يشفِّعهما الله فيه ويدخله الجنة.
14ـ أَصُومُ حتى أكون من جملة مَن يُنادَى عليهم من باب الرَّيان:
1- فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد عن النبي r قال:
"إن في الجنة باباً يقال له الرَّيان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغلِق فلم يدخل منه أحد".
زاد الترمذي:"ومَن دخله لم يظمأ أبداً"
وزاد ابن خزيمة: "فإذا دخل آخرهم أُغلِق، ومَن دخل شرب، ومَن شرب لم يظمأ أبداً"
قال الزين بن المنير ـ رحمه الله ـ:
إنما قال:"في الجنة"، ولم يقل: "للجنة" ليشعر بأن في الباب المذكور من النعيم والراحة ما في الجنة، فيكون أبلغ في التشويق إليه.
15ـ أَصُومُ لأن الصوم سبيلي إلى الجَنَّة:
فقد أخرج الإمام أحمد عن حذيفة tقال:
"أسندتُ النبي r إلى صدري، فقال: مَن قال: "لا إله إلا الله " خُتِم له بها دخل الجنة، ومَن صام يوماً ابتغاء وجه الله خُتِم له بها دخل الجنة، ومَن تصدَّق بصدقة ابتغاء وجه الله خُتِم له بها دخل الجنة "
وأخرج البزار عن حذيفة t أن النبي r قال:
"مَن خُتِمَ له بصيام يومٍ دخل الجنة"(صحيح الجامع: 6224)
قال المناوي ـ رحمه الله ـ: أي مَن ختم عمره بصيام يوم، بأن مات وهو صائم، أو بعد فطره من صومه دخل الجنة مع السابقين الأولين، أو من غير سبق عذاب.
قال ابن خزيمة ـ رحمه الله ـ: إيجاب الله U الجنة للصائم يوماً واحداً، إذا جمع مع صومه صدقة، وشهود جنازة، وعيادة مريض. واستشهد بالحديث الذي رواه بسنده، ورواه كذلك الإمام مسلم من حديث أبي هريرة tقال: قال رسول الله r:
"مَن أصبح منكم اليوم صائماً؟ فقال أبو بكر: أنا، فقال: مَن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا، فقال: مَن تبِع منكم اليوم جنازة؟ فقال أبو بكر: أنا، قال: مَن عاد منكم اليوم مريضاً: قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله r: ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجل إلا دخل الجنة".
فالله. الله في الصيام...فإن الحُور تنادي وتقول لك:
أتطلب مثلي وعنِّي تنام
ونوم المحبين عنَّا حرام
لأنا خُلقنا لكل امرئ
كثير الصلاة براه الصيام
وأخرج الإمام أحمد عن أبي مالك الأشعري t قال: قال رسول الله r:
" إن في الجنة غرفاً يري ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلَّى بالليل والناس نيام" (صحيح الجامع: 2119)
فهنيئاً للصائمين... هنيئاً لمَن أُعدَّت لهم هذه الغرف
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد t قال: قال رسول الله r:
"إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف في الجنة، كما تراءون الكواكب إلى السماء".
16ـ أَصُومُ حتى أكون في الجَنَّة مع الصِّدِّقين والشهداء:
فقد أخرج البزار وابن خزيمة بسند صحيح عن عمرو بن مُرَّة الجُهني tقال:
"جاء رجل إلى النبي r فقال: يا رسول الله. أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته، فمن أنا؟ قال: من الصِّدِّيقين والشهداء "
ولفظ ابن خزيمة:"جاء رسولَ الله r رجلٌ من قضاعة، فقال له: إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليت الصلوات، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وأتيت الزكاة؟
فقال النبي r: "مَن مات على هذا كان من الصِّدِّيقين والشهداء "
قال ابن خزيمة ـ رحمه الله ـ:
استحقاق قائمة اسم الصديقين والشهداء، إذا جمع مع قيامه رمضان صيام نهاره، وكان مقيماً للصلوات الخمس، مؤدياً للزكاة شاهداً لله بالوحدانِيَّة مُقِراً للنبي r بالرسالة.
يا معشر الصُّوَّام... صوموا عن الدنيا وعن الشهوات، وجاهدوا أنفسكم حتى تسمعوا نداء الملائكة:{ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ }[الحاقة: 24]
قال مجاهد وغيره: نزلت في الصائمين
فمَن ترك لله في الدنيا طعاماً وشراباً مدة يسيرة، عوَّضه الله عنه طعاماً وشراباً لا ينفد، ومَن ترك شهوته عوَّضه الله في الجنة أزواجاً لا يمتن أبداً.
قال الحسن ـ رحمه الله ـ: تقول الحوراء لولي الله وهو متكئ معها على نهر العسل تعاطيه الكأس، إن الله نظر إليك في يوم صائف بعيد ما بين الطرفين، وأنت في ظمأ هاجرة من جهد العطش، فباهى بك الملائكة، وقال: انظروا إلى عبدي ترك زوجته وشهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي؛ رغبة فيما عندي، اشهدوا أني قد غفرت له، فغفر لك يومئذ وزوجنيك (وزوجني إياك).
(لطائف المعارف: 167)
فهنيئاً للصائمين:
ومن يرد ملك الجنان
فلْيَدَعْ عنه التواني
وليقم في ظلمة الليل
إلى نـور القرآن
وليصل صوماً بصوم
إن هذا العيش فاني
إنما العيش جوار الله في دار الأمان
ثانياً: لماذا أَتَسَحَّرُ؟ (نِيَّات السحور)
1ـ أَتَسَحَّرُ اتِّباعاً للُّسنَّة ومخالفة لأهل الكتاب:
فالحبيب النبي r ما كان يترك السحور، وهو القائل r:
"السُّحُور أكلهُ بركة فلا تدعوه، ولو أن يَجْرَعَ أحدُكُم جرعةً من ماء"
(أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري، وهو في صحيح الجامع: 3683)
وفي رواية عند ابن حبان:"تَسَحَّرُوا ولو بجرعةِ ماء"
فأصبح السحور شعار المسلمين لما فيه من مخالفة أهل الكتاب، فإنهم لا يتسَحَّرون.
كما ثبت ذلك في "صحيح مسلم" عن عمرو بن العاص t قال: قال رسول الله r:
"فصلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أَكَلَةُ السَّحور[السَّحَر]"
قال ابن دقيق العيد: ومما يعلل به استحباب السحور: المخالفة لأهل الكتاب لأنه ممتنع عندهم، وهذا أحد الوجوه المقتضية للزيادة في الأجور الأخروية.
وقال التوربشتي: والمعنى أن السحور هو الفارق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب؛ لأن الله تعالى أباحه لنا إلى الصبح بعدما كان حراماً علينا أيضاً في بدء الإسلام، وحرَّمه عليهم بعد أن يناموا أو مطلقاً، ومخالفتنا إياهم تقع موقع الشكر لتلك النعمة.
وقال الخطابي: معنى هذا الكلام الحث على السحور، وفيه إعلام بأن هذا الدين يسر لا عسر فيه، وكان أهل الكتاب إذا ناموا بعد الإفطار لم يحل لهم معاودة الأكل والشرب إلى وقت الفجر. اهـ
(فتح الباري شرح صحيح البخاري)
2ـ أَتَسَحَّرُ بنِيَّة أن الله Uيصلِّي عليَّ هو والملائكة:
فقد أخرج ابن حبان والطبراني في "الأوسط" عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن النبي r قال:"إن الله تعالى وملائكته يُصلُّون على المُتَسحِّرين"(صحيح الجامع: 1844)
3ـ أَتَسَحَّرُ حتى أكون من خير الناس:
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد t أن النبي r قال:
"لا يزال الناس بخير، ما عجَّلُوا الفطر" – زاد الإمام أحمد:"وأخَّرُوا السحور"
والحكمة من تأخير السحور أنه أرفق بالصائم، وأقوى على العبادة، وأن لا يزاد في النهار من الليل، وتعجيل الفطر وتأخير السحور من خصائص هذه الأمة. (فيض القدير للمناوي)
4ـ أَتَسَحَّرُ حتى أتعرَّض للوقت المبارك:
فوقت السحور وقت مبارك من جهات متعددة، فهو وقت النزول الإلهي، وهو وقت إجابة الدعوات، فعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال:
"ينزل ربنا- تبارك وتعالى- كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له؟ ومَن يسألني فأعطيه، ومَن يستغفرني فأغفرُ له"
(متفق عليه)
وهو أيضاً من أفضل أوقات الاستغفار: وقد أثنى الله تعالى على المستغفرين في هذا الوقت
فقال U:{وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ}[آل عمران:17]
5ـ أَتَسَحَّرُ لضمان إدراك صلاة الفجر في وقتها:
لأن النائم قد تفوته صلاة الفجر، أما الذي يُؤخِّر السحور فهو أقرب الناس حفاظاً على هذه الصلاة العظيمة، التي قال الله تعالى عنها:{أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}[الإسراء: 78]
قال المفسرون:{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}أي: صلاة الفجر، وسميت قرآناً، لمشروعية إطالة القرآن فيها أطول من غيرها، ولفضل القراءة فيها، حيث شهدها الله، وملائكة الليل وملائكة النهار، والتي قال عنها r: "ومن صلَّى الصبح في جماعة فكأنما صلَّى الليل كله"(مسلم 656)، كما أن تأخير السحور أضمن لإجابة المؤذن بصلاة الفجر ومتابعته، ولا يخفى ما في ذلك من الأجر والثواب.
والخلاصة:
أن تأخير تناول السحور يصبح عبادةً إذا نوى بها التقوي في طاعة الله، والمتابعة لرسول الله r.
6ـ أَتَسَحَّرُ للحصول على البركة:
فقد أخرج الطبراني t قال: قال رسول الله r:
"البركة في ثلاثة: في الجماعة، والثريد، والسحور"(صحيح الترغيب: 1057)
وأخرج أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان عن العرباض بن سارية t قال:
"دعاني رسول الله r إلى السحور في رمضان، فقال: هَلُمَّ إلى الغَدَاءِ المُبَارك"
(صحيح الترغيب:1059)
وفى رواية عند البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r:"تَسَحَّروا فإن في السحور بركة"
قال ابن دقيق العيد - رحمه الله -:
هذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية، فإن إقامة السنة يوجب الأجر وزيادته، ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية كقوة البدن على الصوم وتيسيره من غير إضرار بالصائم. (فتح الباري)
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
إن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة: وهى اتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوِّي به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على مَن يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل، والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نِيَّة الصوم لمَن أغفلها قبل أن ينام. (فتح الباري شرح صحيح البخاري 4/250)
أضف إلى هذا أن الله Uوملائكته يُصلُّون على المتسحرين.
فلهذا وغيره كان النبي r يحث أمته على السحور وينصحهم بألا يتركوه.
فقد أخرج الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r:
"السحور أكلة بركة فلا تدعوه، ولو أن يتجرَّع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله Uوملائكته يُصلُّون على المتسحرين"(صحيح الترغيب: 1062)
فما أسعدك يا عبد الله، يا مَن أطعت الله واستجبت لأمره، تأكل الأكلة، تكون لك فيها كل هذه البركة.
ثالثاً: النِـيـَّةُ عند الـنَّـوْمِ
احتسب عند نومى التَّقَوِّي على طاعة الله، فإن فعلت ذلك فأنا في طاعة.
يقول معاذ بن جبلt:"أما أنا فأنام وأقوم، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي"
أي: إذا أنت نمت فنَمْ بنية القوة وإجماع النفس للعبادة، وتنشيطها للطاعة، فترجو في ذلك الأجر كما ترجو الأجر في القيام.
فحذار أن تغفل عن هذه النية عند النوم؛ فإنك إذا كنت تنام في اليوم والليلة ثماني ساعات، فإنه ثلث العمر، فكيف ترضى أن يضيع عليك ثلث العمر في غير طاعة الله.
رابعاً: لماذا أُطْعِمُ الطعام؟ (نِيَّات إفطار الصائمين)
مما لا شك فيه أن إطعام الصائمين له أجر عظيم وثواب كبير
1ـ أُفَطِّر صائماً حتى يكون لي مثل أجره:
فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي عن زيد بن خالد عن النبي r قال:
"مَن فَطَّر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينتقص من أجر الصائم شيئاً"
2ـ أُفَطِّر صائماً لأن هذا من أفضل الأعمال:
فقد أخرج ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" والبيهقي في "شعب الإيمان" عن أبي هريرة t عن النبي r قال:"أفضل الأعمال أن تُدْخِل على أخيك المؤمن سروراً، أو تقضي عنه ديْناً، أو تطعمه خُبزاً"
وهذا يرفع الوحشة، ويؤلف بين المسلمين، وتزداد المحبة بينهم، ويحصل الود والرحمة والتراحم، وكل هذا سبيله دخول الجَنَّة، كما ثبت في "الصحيحين":
"لن تدخلوا الجَنَّة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا"
3ـ أُفَطِّر صائماً حتى أُعْتَق من النار:
فلو أنفق الإنسان منا ولو شيئاً يسيراً؛ ربما كان هذا سبباً في عتقه من النار
فقد أخرج البخاري من حديث عدي بن حاتم t أن النبي r قال:
"اتقوا النار ولو بشق تمرة"
4ـ أُفَطِّر صائماً حتى أدخل الجَنَّة:
فقد أخرج الترمذي من حديث عبد الله بن سلام t قال: سمعت رسول الله r يقول:
"يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعِموا الطعام، وصلُّوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجَنَّة بسلام"
وعند الترمذي أيضاً من حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قـال: قال رسول اللهr: "اعبدوا الرحمن، وأطعِموا الطعام، وأفشوا السلام، تدخلوا الجَنَّة بسلام"
وأخرج الطبراني وابن حبان والحاكم عن أبي شريح t قال:"يا رسول الله، أخبرني بشيء يوجب لي الجَنَّة، قال: طيب الكلام، وبذل السلام، وإطعام الطعام"
5ـ أُفَطِّر صائماً حتى يُطْعِمُني الله من ثمار الجَنَّة:
فقد أخرج الترمذي أن الحبيب النبي r قال:
"أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوعٍ؛ أطعمه الله من ثمار الجَنَّة، ومَن سقى مؤمناً على ظمأ؛ سقاه الله من الرحيق المختوم"
قال ابن رجب – رحمه الله -:
فمَن جاد على عباد الله؛ جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل
وفَهِم السلف هذا المعنى وعقلوه؛ فكانوا أحرص الناس على هذا الهدي
ـ فها هو عليّ t يقول كما عند البخاري في "الأدب المفرد" : "لأن أجمع ناساً من أصحابي على صاعٍ من طعام؛ أحبّ إليّ من أن أخرج إلى السوق فأشتري نسمة فأعتقها"
ـ وقال أبو السِوار العدوي:
كان رجال من بني عدي يصلُّون في هذا المسجد ما أفطر أحدٌ منهم على طعام قط وحده، إن وجد مَن يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد، فأكله مع الناس، وأكل الناس معه"
ـ واشتهى بعض الصالحين من السلف طعاماً وكان صائماً؛
فوُضع بين يديه عند فطوره، فسمع سائلاً يقول: مَن يُقْرض الَمليّ الوفيّ الغني؟ فقال هذا الرجل الصالح: عبده المُعْدم من الحسنات، فقام فأخذ الصحفة فخرج بها إليه وبات طاوياً"
تنبيه مهم...
على الزوجة أن تُصّحِّح النية عند إعداد الطعام للزوج والأولاد:
وهذا فيه ما فيه من الأجر العظيم، والذي تستطيع أن تَتَحَصَّلَ عليه الزوجة عند إعداد الطعام للزوج والأولاد.
فقد أخرج الإمام مسلم عن أنس t قال:
"كنا مع رسول الله r في السفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلاً في يوم حار، أكثرنا ظلاً صاحب الكساء، ومنا مَن يَتَّقِي الشمس بيده، قال: فسقط الصُّوَّام وقام المفطرون، فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال رسول الله r: ذهب المفطرون اليوم بالأجر"
فهؤلاء مفطرون وذهبوا بالأجر، فما نقول في كون القائم علي خدمة الصائم صائماً مثله، فمما لا شك فيه أن أجره مضاعف، بل لا نبالغ إن قلنا: إن كثيراً من الرجال حرموا هذا الأجر، وخصّ الله به النساء، فعلى النساء أن يحتسبن نية تفطير الصائمين عند إعدادهن الطعام، فيأخذن أجر مَن تُفطِّر، فقد أخرج الترمذي عن زيد بن خالد الجُهَنِيّtعن النبيrقال:
"مَن فطَّر صائماً؛ كان له مثل أجره، غير أنه لا يَنْقُصُ من أجر الصائم شيئاً"
(صححه الألباني في "صحيح الترغيب": 1072)
خامساً: لماذا أعتكفُ (نِيَّات الاعتكاف)(1)
الاعتكاف هو الاختبار الحقيقي للإخلاص، ولم يُرَ لطلب الإخلاص مثل الوحدة، وفي الاعتكاف تفطم النفس عن شهواتها، ويخلو العبد بالله U، وتحقق عبودية التبتُّل، ويحصل المقصود الأعظم منه بعكوف القلب على الله تعالى.
لكن ما هي النِيَّات التي من الممكن استحضارها في الاعتكاف؟
1-نِيَّة تنفيذ سنة النبي r:
وأَكْرِم بها من نِيَّة، ففي تنفيذ سنة النبي r الفوز العظيم،
فعن أبي هريرة t:"أن النبي r كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله"
وعن أبي بن كعب: "أن النبي r كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فسافر عاماً، فلما كان من العام المقبل اعتكف عشرين يوماً"(صحيح سنن ابن ماجة)
وقال الزهري: عجباً من الناس كيف تركوا الاعتكاف؟ ورسول الله r كان يفعل الشيء ويتركه، وما ترك الاعتكاف حتى قُبِض. (المبسوط: 3/114)، (عمدة القارئ: 12 / 1402)
2-نِيَّة اغتنام ليلة القدر:
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 1-3]
فأقرب الناس إلى هذه الليلة هم المعتكفون، فنهارهم صيام، وليلهم قيام، وحالهم خشوع، وذكرهم دموع، وقلوبهم خضوع، مستغفرون بالأسحار ينتظرون رضا الرحمن.
3-نِيَّة المحاولة للتخلص من سموم القلب الخمس:
(فضول النوم – الأكل – الاختلاط – النظر – الكلام)
ولو تحقق ذلك لصلح قلبك، ولو صلح قلبك لصلح كلك، قال r:
"ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلُحَت صَلُحَ الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله وهي القلب" (متفق عليه)
4-نِيَّة حب المكوث في المسجد:
خذ هذه النِيَّة واستحضرها حتى تنال الخير الوفير، فبعد أن جلست عشرة أيام في بيت من بيوت الله لماذا لا تسأل الله تعالى أن يرزقك حب المكث بالمسجد؟ قال رسول الله r:
"سبعة يظلهم الله في ظلِّه يوم لا ظل إلا ظله ... ورجلٌ قلبُه معلق في المساجد"(متفق عليه)
قال النووي - رحمه الله - في "شرح مسلم":
"قلبه معلق في المساجد" معناه: شديد الحب لها والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه دوام القعود في المسجد.اهـ
5-نِيَّة تعلُّم كثير من الأخلاق الحسنة:
ففي الاعتكاف من الممكن أن تتعلم الكثير من الأخلاق الحسنة التي من الصعب تعلمها خارجه
ومن هذه الأخلاق: خلق الزهد في الدنيا، والرضا عن الله، والصبر، والمجاهدة، تتعلم هذه الأخلاق وغيرها من خلال مكثك في المسجد.
6-نِيَّة الاستغلال الأمثل للوقت مع التعوُّد على النظام:
فأنت في الاعتكاف تسير وفق نظام معين موضوع في المسجد خاص بـ(النوم – الأكل – الحديث..) يجب الالتزام به؛ مما يساعدك على اكتساب النظام والمحافظة على وقتك لأبعد الحدود.
7-نِيَّة الوصول للبرآتين:
من خلال وجودك في المسجد لمدة عشرة أيام لن تجد فرصة أفضل من ذلك في بداية الوصول إلى البرآتين، اللتين أخبر عنهما المصطفى r بقوله
"مَن صلَّى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى؛ كُتِبَ له برآتان: براءة من النار وبراءة من النفاق"( رواه الترمذي وهو في صحيح الجامع:6365)
فخذ العزم الأكيد والنِيَّة على أن يكون الاعتكاف بداية طريق للحصول على البرآتين.
8-نِيَّة حفظ الصيام مما يفسده:
ولم لا؟ فالمعتكف بوجوده في أطهر بقاع الأرض: المساجد يأخذ هذه النية بأن يعمل جاهداً على الحافظ على صيامه مما يفسده.
9-نِيَّة رفع درجة صلاتك وقبولها:
هذه تكاد تكون غائبة عن السواد الأعظم من الذين يَمُنُّ الله عليهم بالاعتكاف، رغم أن المعتكف من الممكن أن يستحضر هذه النِيَّة، فقد قال r:
"وصلاة على إثر صلاة كتاب في عليين" (صحيح الجامع:3837)
"وصلاة على إثر صلاة": أي عقيبها، لا لغو بينهما: أي بكلام الدنيا، كتاب: أي عمل مكتوب، في عليين: فيه إشارة إلى رفع درجتها وقبولها، قال علي القاري - رحمه الله - كما في "عون المعبود في شرح سنن أبي داود": وهو علم لديوان الخير الذي دُوّن فيه أعمـال الأبرار
قال تعالى:{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ{18} وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ{19} كِتَابٌ مَّرْقُومٌ{20} يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:18- 21] أي: مداومة الصلاة من غير تخلل ما ينافيها لا شيء من الأعمال أعلى منها فكُنٌّى عن ذلك بعليين.
10- نِيَّة محو الخطايا ورفع الدرجات ونِيَّة الرباط:
مع بقاء المعتكف في المسجد طوال الاعتكاف من الممكن أن يزيد أجره باستحضار هذه النِيَّات، نعم بفضل الله من الممكن استحضار تلك النِيَّات، وقد جمعها حديث النبي r قال:
"ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط"(مسلم 251)
وقد قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]
قيل في معناها: انتظروا الصلاة بعد الصلاة (هكذا قال ابن عباس) ويقال: اصبروا على أداء الفرائض واجتناب المعاصي، وقيل في "تفسير الجلالين": اصبروا على الطاعات والمصائب وعن المعاصي.
11- نِيَّة المداومة على قيام الليل:
فالاعتكاف فرصة عظيمة لحب قيام الليل والمداومة عليه من خلال صلاة التراويح كل ليلة، إضافة إلى صلاة التهجُّد، ولو قمت الليل وخرجت من شهر رمضان محباً لقيام الليل، لكفى به فضل ويساعدك على هذا الاعتكاف.
وهناك نِيَّات أخرى من الممكن استحضارها عند الاعتكاف
ذكرها الشيخ أبو حامد الغزالي – رحمه الله - منها:-
الخلوة ودفع الشواغل للزوم السر والفكر في الآخرة وكيفية الاستعداد لها، وأن يعتقد أنه بيت الله Uوأن داخله زائر الله تعالى فينوى ذلك، قال رسول الله r:
"مَن قعد في المسجد فقد زار الله تعالى، وحق على المزور إكرام زائره"
(رواه الطبراني في "الكبير" وأحد أسانيده رجاله رجال الصحيح)
والتجرد للذكر وإسماعه واستماعه، وأن يقصد إفادة علم وتنبيه من يسيء الصلاة، ونهيٍ عن منكر وأمر بمعروف؛ حتى ينتشر بسببه خيرات كثيرة؛ ويكون شريكاً فيها، وأن يترك الذنوب حياء من الله Uبأن يحسن نيته في نفسه في قوله وعمله، حتى يستحى منه من رآه أن يقارف ذنباً، وقس على هذا سائر الأعمال، ثم قال: فباجتماع هذه النِيَّات تزكى الأعمال وتلتحق بأعمال المقربين، كما أنه بنقصها تلتحق بأعمال الشياطين، كمن يقصد من القعود في المسجد التحدث بالباطل، والتفكُّه بأعراض الناس، ومجالسة إخوان اللهو واللعب، وملاحظة مَن يجتاز به من النسوان والصبيان، ومناظرة من ينازعه من الأقران على سبيل المباهاة والمراءاة باقتناص قلوب المستمعين لكلامه وما يجرى مجراه.اهـ
سادساً: لماذا أَقُومُ الليل (نِيَّات قيام الليل)
قيام الليل شريعة ربانِيَّة، وسنة نبوية، ومدرسة تربوية، وخصلة حميدة مرضية، ودموع وعبرات قلبية، وآهات وزفرات شجية، وخلو برب البريَّة، وسعادة روحية، وقوة جسمانِيَّة، تتعلق الروح فيها بالجنَّات العلية، وفيها من الثمرات والفوائد الجلية، ويبقى السؤال لماذا أقوم الليل؟
1-أقُومُ الليل بنِيَّة شكر النعم والتأسي بالرسول r:
فالنبي r قام الليل حتى تورَّمت قدماه، وذلك تحقيقاً لمعنى العبودية لله Uوشكر النعم.
فقد ثبت في "صحيح البخاري ومسلم" عن المغيرة بن شعبة t قال:
"إن كان النبي r ليقوم أو ليصلِّي حتى تَرِمَ قدماه أو ساقاه فيقال له: فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً"
وفى رواية أخرى عند البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها-:
"أن رسول الله r كان يقوم من الليل حتى تتفطرَ قدماه، فقلت: لم تصنع هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً".
وقد روى عن سفيان الثوري - رحمه الله - أنه شبع ليلة فقال:
إن الحمار إذا زيد في علفه زيد في عمله، فقام تلك الليلة حتى أصبح.
وثبت عند أبي داود وابن خزيمة عن عبد الله بن أبي قيس قال: قالت عائشة- رضي الله عنها-:"لا تدع قيام الليل فإن رسول الله r كان لا يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلَّى قاعداً".
2-أقُومُ الليل بنِيَّة التأسي بالصالحين والتشبُّه بهم.
فقد أخرج الإمام أحمد والترمذى من حديث أبي أمامة الباهلي t أن النبي r قال:"عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم..." (الحديث) (صحيح البخاري:4079)
فقيام الليل مضمار المتسابقين، ورأس مال الفائزين، وطريق السالكين إلى رب العالمين
3-أقُومُ الليل بنِيَّة أن أكون من الصِدِّيقِين والشهداء:
فقد أخرج البزار وابن خزيمة وابن حبان عن عمرو بن مُرَّة الجُهني t قال:
"جاء رجل من قضاعة إلى رسول الله r، فقال: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصلَّيت الصلوات الخمس، وصمت رمضان وقمته، وأتيت الزكاة؟ فقال رسول الله r: "مَن مات على هذا كان من الصِّدِّيقين والشهداء " (صحيح الترغيب: 933)
4-أقُومُ الليل لكي أكون من أهل الإيمان:
{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ{15} تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{16} فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[السجدة: 15 – 17]
5-أقُومُ الليل حتى أُكْتب من الذاكرين الله كثيراً:
فقد أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة وأبى سعيد- رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله r: "مَن استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين جميعاً؛ كُتِبَا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات" (صحيح الجامع: 6030)
6-أقُومُ الليل حتى أكون من المرحومين:
فقد أخرج أبو دواد والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r:
"رحم الله رجلاً قام من الليل فصلَّى وأيقظ امرأته فصلَّّت فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلَّت، وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء" (صحيح الجامع:3494)
7-أقُومُ الليل حتى أكتب من القانتين المخلصين، ولا أكتب من الغافلين:
فقد أخرج ابن خزيمة والحاكم عن أبي هريرة t عن النبي r قال:
"مَن صلَّى في ليلة بمائة آية لم يكتب من الغافلين، ومَن صلَّى في ليلة بمائتي آية كُتِبَ من القانتين المخلصين" (صحيح الترغيب: 636)
وأخرج أبو داود وابن خزيمة وابن حبان عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله r:"مَن قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومَن قام بمائة آية كُتِبَ من القانتين، ومَن قام بألف أيه كُتِبَ من المقنطرين"(صحيح الجامع: 6439)
ـ من المقنطرين: أي ممَّن كُتِبَ لهم قنطار من الأجر.
8- أقُومُ الليل لأنه أفضل الصلوات بعد المكتوبات:
فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله r:
"أفضل الصيام بعد رمضان: شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة: صلاة الليل" ـ وفى رواية: "أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل"
9-أقُومُ الليل أبتغي القرب من الله تعالى:
وقد مرَّ بنا في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والترمذي:
"عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم..." (الحديث)
قال الحسن البصري - رحمه الله -:
ما أعلم شيئاً يتقرب به المتقربون إلى الله أفضل من قيام الليل في جوف الليل إلى الصلاة.
وفى الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري:
"وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه..."
10- أقُومُ الليل للفوز بمحبة الله تعالى:
فقد مر بنا في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري:
"وما يزال عبدي بتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه..."
وأخرج الطبراني بسند حسن عن أبي الدرداء t عن النبي r قال:
"ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم، الذي إذا انكشفت فئة قاتل ورآها بنفسه لله U. فإما أن يقتل، وإما أن ينصره الله ويكفيه، فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه، والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل، فيقول: يذرُ شهوته ويذكرني، ولو شاء رقد، والذي إذا كان في سفر وكان معه ركبٌ فسهروا ثم هجعوا فقام من السَّحَر في ضراء وسراء"(صحيح الترغيب: 625)
11- أقُومُ الليل حتى أحوز الشرف الحقيقي:
فقد أخرج الحاكم في المستدرك والبيهقي عن سهل بن سعد t أن النبي r قال:
"أتاني جبريل فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب مَن شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزَّه استغناؤه عن الناس" (صحيح الجامع: 73، الصحيحة: 831)
12- أقُومُ الليل للثبات على الأمر، والإعانة على الأعمال وصلاح الأحوال:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ{1} قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً{2} نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً{3} أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً{4} إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً{5} إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً}[المزمل: 1-6]
قال الفراء: {أَشَدُّ وَطْءاً} أي: أثبت للعمل وأدوم لمَن أراد الاستكثار من العبادة، والليل وقت الفراغ عن الاشتغال بالمعاش؛ فعبادته تدوم ولا تنقطع.
وقال عكرمة:{وَأَقْوَمُ قِيلاً} أي: أتم نشاطاً وإخلاصاً وأكثر بركة
وقال ابن زيد: أجدر أن يتفقه في القرآن، وقيل: أعجل إجابة للدعاء.
13- أقُومُ الليل للنجاة من الفتن ما ظهر منها وما بطن:
فقد أخرج البخاري عن أم سلمة - رضي الله عنها-:
"أن النبي r استيقظ ليلة فقال: سبحان الله، ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟ ماذا أنزل الليلة من الخزائن؟ مَن يوقظ صواحب الحجرات؟"
وفى الحديث تنبيه على أن الصلاة بالليل تقي من الفتن.
14- أقُومُ الليل حتى أصبح طيب النفس نشيط:
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r.
"يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلَّى